تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١١١
بأنه ابتداء بنكرة لا يصح و * (سارب) * عطف على * (من) * كأنه قيل: سواء منكم إنسان هو مستخف وآخر سارب، والنكتة في زيادة هو في الأول أنه الدال على كمال العلم فناسب زيادة تحقيق وهو النكتة في حذف الموصوف عن سارب أيضا، والوجه في تقديم * (أسر) * وأعماله في صريح القول على جهره وأعماله في ضميره، وجوز أن يكون على * (مستخف) * واستشكل بأن سواء يقتضي ذكر شيئين فإذا كان سارب معطوفا على جزء الصلة أو الصفة لا يكون هناك إلا شيء واحد، ولا يجىء هذا على الأول لأن المعنى ما علمت. وأجيب بأن * (من) * عبارة عن الاثنين كما في قوله: تعال فإن عاهدتني لا تخونني * نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فكأنه قيل: سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار، قال في " الكشف ": وعلى الوجهين * (من) * موصوفة لا موصولة فيحمل الأوليان أيضا على ذلك ليتوافق الكل، وإيثارها على الموصولة دلالة على أن المقصود الوصف فإن ذلك متعلق العلم، وأما لو قيل: سواء الذي أسر القول والذي جهر به فإن أريد الجنس من باب: ولقد أمر على اللئيم يسبني فهو والأول سواء لكن الأول نص، وإن أريد المعهود حقيقة أو تقديرا لزم إيهام خلاف المقصود لما مر، وقيل: في الكلام موصول محذوف والتقدير ومن هو سارب كقول أبي فراس: فليت الذي بيني وبينك عامر * وبيني وبين العالمين خراب وقول حسان: أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء وهو ضعيف جدا لما فيه من حذف الموصول مع صدر الصلة، وقد ادعى الزمخشري أن أحد الحذفين سائغ لكن اجتماعهما منكر من المنكرات بخلاف البيتين، وقال أبو حيان: إن حذف من هنا وإن كان للعلم به لا يجوز عند البصريين ويجوز عند الكوفيين، وزعم بعضهم أن المقصود استواء الحالتين سواء كانتا لواحد أو لاثنين، والمعنى سواء استخفاؤه وسروبه بالنسبة إلى علم الله تعالى فلا حاجة إلى توجيه الآية بما مر، وكذا حال ما تقدمه فعبر بأسلوبين والمقصود واحد.
وتعقب بأنه لا تساعده العربية لأن * (من) * لا تكون مصدرية ولا سابك في الكلام. وزعم ابن عطية جواز أن تكون الآية متضمنة ثلاثة أصناف فالذي يسر طرف والذي يجهر طرف مضاد للأول والثالث متلون يعصي بالليل مستخفيا ويظهر البراءة بالنهار وهو كما ترى. ومن الغريب ما نقل عن الأخفش وقطرب تفسير المستخفي بالظاهر فإنه وإن كان موجودا في كلامهم بهذا المعنى لكن يمنع عنه في الآية ما يمنع، ثم إن في بيان علمه تعالى بما ذكر بعد بيان شمول علمه سبحانه الأشياء كلها ما لا يخفى من الاعتناء بذلك.
* (له معقب‍ات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذآ أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) * .
* (له) * الضمير راجع إلى من تقدم ممن أسر بالقول وجهر به إلى آخره باعتبار تأويله بالمذكور وإجرائه مجرى اسم الإشارة وكذا المذكورة بعده * (معقبات) * ملائكة تعتقب في حفظه وكلائته جمع معقبة من عقب مبالغة في عقبه إذا جاء على عقبه واصله من العقب وهو مؤخر الرجل ثم تجوز به عن كون الفعل بغير فاصل ومهلة
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»