تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٠٢
الحسن انه فسر ذلك بالاهواز. وفارس. والكوفة. والبصرة، ومن هنا قيل في الآية اكتفاء على حد * (سرابيل تقيكم الحر) * (النحل: 81) والمراد قطع متجاورات وغير متجاورات، وفي بعض المصاحف * (وقطعا متجاورات) * بالنصب أي وجعل في الأرض قطعا * (وجنات) * أي بساتين كثيرة * (من أعناب) * أي من أشجار الكرم * (وزرع) * من كل نوع من أنواع الحبوب، وافراده لمراعاة أصله حيث كان مصدرا، ولعل تقديم ذكر الجنات عليه مع كونه عمود المعاش لما أن في صنعة الأعناب مما يبهر العقول ما لا يخفى، ولو لم يكن فيها إلا أنها مياه متجمدة في ظروف رقيقة حتى أن منها شفافا لا يحجب البصر عن إدراك ما في جوفه لكفي؛ ومن هنا جاء في بعض الأخبار القدسية أتكفرون بي وأنا خالق العنب. وفي إرشاد العقل السليم تعليل ذلك بظهور حال الجنن في اختلافها ومباينتها لسائرها ورسوخ ذلك فيها، وتأخير قوله تعالى: * (ونخيل) * لئلا يقع بينها وبين صفتها وهي قوله تعالى: * (صنوان وعير صنوان) * فاصلة أو يطول الفصل بين المتعاطفين، وصنوان جمع صنو وهو الفرع الذي يجمعه وآخر أصل واحد وأصله المثل، ومنه قيل: للعم صنو، وكثر الصاد في الجمع كالمفرد هو اللغة المشهورة وبها قرأ الجمهور، ولغة تميم وقيس * (صنوان) * بالضم كذئب وذؤبان وبذلك قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما. والسلمى. وابن مصرف، ونقله الجعبري في شرح الشاطبية عن حفص.
وقرأ الحسن. وقتادة بالفتح، وهو على ذلك اسم جمع كالسعدان لا جمع تكسير لأنه ليس من أبنيته، وقرأ الحسن * (جنات) * بالنصب عطفا عند بعض على * (زوجين) * مفعول * (جعل) * و * (ومن كل الثمرات) * (الرعد: 3) حينئذ حال مقدمة لا صلة * (جعل) * لفساد المعنى عليه أي جعل فيها زوجين حال كونه من كل الثمرات وجنات من أعناب، ولا يجب هنا تقييد العطوف بقيد المعطوف عليه.
وزعم بعضهم أن العطف على * (رواسي) * وقال أبو حيان: الأولى اضمار فعل لبعد ما بين المتعاطفين أو بالجر عطفا على * (كل الثمرات) * على أن يكون هو مفعولا بزيادة * (من) * في الإثبات و * (زوجين اثنين) * حالا منه، والتقدير وجعل فيها من كل الثمرات حال كونها صنفين، فلعل عدم نظم قوله تعالى: * (ومن الأرض قطع متجاورات) * في هذا السلك من أن اختصاص كل من تلك القطع بما لها من الأحوال والصفات بمحض خلق الخالق الحكيم جلت قدرته حين مد الأرض ودحاها - على ما قيل - الإيماء إلى كون تلك الأحوال صفات راسخة لتلك القطع. وقرأ جمع من السبعة * (وزرع ونخيل) * بالجر على أن العطف على * (أعناب) * وهو كما في الكشف من باب - متقلدا سيفا ورمحا - أو المراد أن في الجنات فرجا مزروعة بين الأشجار وإلا فلا يقال للمزرعة وحدها جنة وهذا أحسن منظرا وأنزه. وادعى أبو حيان أن في جعل الجنة من الأعناب تجوزا لأن الجنة في الحقيقة هي الأرض التي فيها الأعناب * (يسقى) * أي ما ذكر من القطع والجنات والزرع والنخيل وقرأ أكثر السبعة بالتأنيث مراعاة للفظ؛ وهي قراءة الحسن. وأبي جعفر، قيل: والأول أوفق بمقام بيان اتحاد الكل في حالة السقي * (بماء واحد) * لا اختلاف في طبعه سواء كان السقي من ماء: الأمطار أو من ماء الأنهار، وقيل: إن الثاني أوفق بقوله سبحانه: * (ونفضل) * أي مع وجود أسباب التشابه بمحض قدرتنا وإحساننا
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»