المقدود وليس بشيء كما لا يخفى، وجعل الله تعالى الشاهد من أهلها قيل: لكون أدل على نزاهته عليه السلام وأنفى للتهمة وألزم لها، وخص هذا بماإذا لم يكن الشاهد الطفل الذي أنطقه الله تعالى الذي أنطق كل شيء، وأما إذا كان ذلك فذكر كونه من أهلها لبيان الواقع فإن شهادة الصبي حجة قاطعة ولا فرق فيها بين الأقارب وغيرهم، وتعقب بأن كون شهادة القريب مطلقا أقوى مما لا ينبغي أن يشك فيه، وسمي شاهدا لأنه أدى تأديته في أن ثبت بكلامه قول يوسف وبطل قولها، وقيل: سمي بذلك من حيث دل على الشاهد وهو تخريق القميص، وفسر مجاهد فيما أخرجه عنه ابن جرير الشهادة بالحكم أي وحكم حاكم من أهلها * (إن كان قميصه قد من قبل) * أي من قدام يوسف عليه السلام. أو من قدام القميص؛ و * (إن) * شرطية، و * (كان) * فعل الشرط وقوله سبحانه: * (فصدقت) * جواب الشرط وهو بتقدير قد، وإلا فالفاء لا تدخل في مثله، وعن ابن خروف أن مثل هذا على إضمار المبتدا، والجملة جواب الشرط لا الماضي وحده، وفي " الكشاف " إن الشرطية هنا نظير قولك: إن أحسنت إليك منقبل لمن يمتن عليك بإحسانه فإنه على معنى إن تمتن على أمتن عليك، وكذا هنا المراد أن يعلم أنه كان قميصه قد ونحوه وإلا فبين أن الذي للاستقبال و * (كان) * تناف قيل: وهو مبني على ما ذهب إليه البعض من أن * (كان) * قوية في الدلالة على الزمان فحرف الشرط لا يقلب ماضيها مستقبلا وإلا فلا ماض دخل عليه الشرط قلبه مستقبلا من غير حاجة إلى التأويل، وتعقب بأنه لا بد من التأويل ههنا وجعل حدوث العلم ونحوه جزئي الشرطية كأن يقال: إن يعلم أو يظهر كونه كذلك فقد ظهر الصدق، ويقال نظيره في الشرطية الأخرى الآتية: وإن كانت * (كان) * مما يقلب حرف الشرط ماضيها مستقبلا كسائر الأفعال الماضية لأن المعنى ليس على تعليق الصدق أو الكذب في المستقبل على كون القميص كذا أو كذا كذلك بل على تعليق ظهور أحد الأمرين الصدق والكذب على حدوث العلم بكونه كذلك وهو ظاهر، وهل هذا التأويل من باب التقدير. أو من غيره؟ فيه خلاف، والذي يشير إليه كلام بعض المدققين أنه ينزل في مثل ذلك العلم بالشيء منزلة استقباله لما بينهما من التلازم كما قيل: أي شيء يخفى؟ فقيل: ما لا يكون فليفهم، ثم إن متعلق الصدق ما دل كلامها عليه من أن يوسف أراد بها سوءا وهو متعلق الكذب المسند إليها فيما بعد، وهما كما يتعلقن بالنسبة التي يتضمنها الكلام باعتبار منطوقه يتعلقان بالنسبة التي يتضمنها باعتبار ما يستلزمه فكأنه قيل: * (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت) * في دعواها أن يوسف أراد بها سوءا * (وهو من الكاذبين) * في دعواه أنها راودته عن نفسه.
* (وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) * * (وإن كاع قميصه قد من دبر) * أي من خلف يوسف عليه السلام أو خلف القميص * (فكذبت) * في دعواها * (وهو من الصادقين) * في دعواه، والشرطيتان محكيتان: إما بقول مضمر أي شهد قائلا أو فقال * (إن كان) * الخ كما هو مذهب البصريين، وإما يشهد لأن الشهادة قول من الأقوال فجاز أن تعمل في الجمل كما هو مذهب الكوفيين، والإظهار في موضع الإضمار في الشرطية الثانية ليدل على الاستقلال مع رعاية زيادة الإيضاح، وجملتا - وهو من الكاذبين. وهو من الصادقين - مؤكدتان لأن من قوله: * (فصدقت) * يعلم كذبه، ومن قوله: * (فكذبت) * يعلم صدقه، ووجه دلالة قد القميص من دبر على كذبها أنها تبعته وجذبت ثوبه فقدته، وأما دلالة قده من قبل على صدقها فمن وجهين: أحدهما: أنه إذا كان تابعها وهي دافعته عن نفسه قدت قميصه من قدام بالدفع، وثانيهما: أن يسرع إليها ليلحقها فيتعثر في مقام قميصه فيشقه كذا في " الكشاف "،