تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٠٥
عن ابن عباس اثنين وعشرين، وفي أخرى عنه عشرين وحلة ونعلين، وقيل: ثلاثين وحلة ونعلين، وقيل: ثمانية عشر اشتروا بها أخفافا ونعالا، وقيل: عشرة، وعن عكرمة أنها كانت أربعين درهما، ولا يأبى هذا ما ذكره غير واحد من أن عادتهم أنهم لا يزنون إلا ما بلغ أوقية وهي أربعون درهما إذ ليس فيه نفي أن الأربعين قد تعد * (وكانوا فيه) * أي في يوسف كما هو الظاهر * (من الزاهدين) * أي الراغبين عنه، والضمير في * (وكانوا) * إن كان للإخوة فظاهر وإن كان للرفقة وكانوا بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه ولأنه يخاف أن يعرض له مستحق ينتزعه من يده فيبيعه من أول مساوم بأوكس الثمن وإن كان لهم وكانوا مبتاعين بأن اشتروه من بعضهم أو من الإخوة فزهدهم لأنهم اعتقدوا فيه أنه آبق فخافوا أن يخاطروا بما لهم فيه، وقيل: ضمير * (فيه) * للثمن وزهدهم فيه لرداءته أو لأن مقصودهم ليس إلا إبعاد يسوف عليه السلام وهذا ظاهر على تقدير أن يكون ضمير * (كانوا) * للإخوة، والجار - على ما نقل عن ابن مالك - متعلق بمحذوف يدل عليه - الزاهدين - أي كانوا زاهدين فيه من الزاهدين، وذلك أن اللام في الزاهدين اسم موصول ولا يتقدم ما في صلة الموصول عليه، ولأن ما بعد الجار لا يعمل فيما قبله، وهل * (من الزاهدين) * حينئذ صفة لزاهدين المحذوف مؤكدة كما تقول: عالم من العلماء. أو صفة مبينة أي زاهدين بلغ بهم الزهد إلى أن يعدوا في الزاهدين لأن الزاهد قد لا يكون عرقيا في الزاهدين حتى يعد فيهم إذا عدوا. أو يكون خبرا ثانيا؟ كل ذلك محتمل، وليس بدلا من المحذوف لوجود * (من) * معه، وقدر بعضهم المحذوف أعنى وأنا فيه من الزاهدين، وقال ابن الحاجب في أماليه: إنه متعلق بالصلة والمعنى عليه بلا شبهة وإنما فروا منه لما فهموا من أن صلة الموصول لا تعمل فيما قبل الموصول مطلقا، وبين صلة - أل - وغيرها فرق فان هذه على صورة الحرف المنزل منزلة الجزء من الكلمة فلا يمتنع تقديم معمولها عليها فلا حاجة إلى القول بأن تعلقه بالمذكور إنما هو على مذهب المازني الذي جعل - أل - في مثل ذلك حرف تعريف وكأنه لا يرى تقدم معمول المجرور ممتنعا وإلا لم يتم بما ذكره ارتفاع المحذور.
وزعم بعضهم أنه يلزم بعد عمل اسم الفاعل من غير اعتماد من الغفلة بمكان لأن محل الخلاف عمله في الفاعل والمفعول به الصريح لا في الجار والمجرور الذي يكفيه رائحة الفعل؛ وقال بعض المتأخرين: إن الصفة هنا معتمدة على اسم كانوا وهو مبتدأ في الأصل، والاعتماد على ذلك معتبر عندهم، ففي الرضى عن، قول ابن الحاجب: والاعتماد على صاحبه ويعني بصاحبه المبتدأ إما في الحال نحو زيد ضارب أخواه. أو في الأصل نحو كان زيد ضاربا أخواه. وظننتك ضاربا أخواك وإن زيدا ضارب غلاماه، وعلى هذا لا يحتاج في الجواب إلى إخراج الجار والمجرور عن حكم الفاعل والمفعول به الصريح وإن كان له وجه وجيه خلافا لمن أنكره، ومن الناس من يتمسك بعموم يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما في دفع ما يورد على تعلق الجار هنا بالصفة المجرور الواقعة صلة لال كائنا ما كان فلفهم.
هذا والشائع أن الباعة إخوته. والزاهدين هم، وفي بعض الآثار أنهم حين باعوه قالوا للتأجر: إنه لص آبق فقيده ووكل به عبدا أسود فلما جاء وقت ارتحالهم بكى عليه السلام فقال له التاجر: مالك تبكى؟ فقال: أريد أن أصل إلى الذين باعوني لأودعهم وأسلم عليهم سلام من لا يرجع إليهم، فقال التاجر للعبد: خذه واذهب به إلى مواليه ليودعهم ثم ألحقه بالقافلة فما رأيت غلاما أبر من هذا بمواليه ولا قوما أجفى منهم فتقدم العبد به إلى إخوته وكان زاحد منهم مستيقظا يحرس الأغنام فلما وصل إليه يوسف وهو يعثر في قيده انكب
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»