تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٧٦
لما ينتفعون به * (ولكل أمة رسول) * من جنسهم ليتمكنوا من الاستفاضة منه * (فإذا جاء رسولهم قضى بينهم) * بإنجاء من اهتدى به وإثابته وإهلاك من أعرض عنه وتعذيبه لظهور أسباب ذلك بوجوده * (وهم لا يظلمون) * (يونس: 47) فيعاملوا بخلاف ما يستحقون * (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * (يونس: 48) إنكار للقيامة لاحتجابهم بما هم فيه من الكثافة * (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) * (يونس: 49) سلب لاستقلاله في التأثير وبيان لأنه لا يملك إلا ما أذن الله تعالى فيه، وهذا نوع من توحيد الأفعال وفيه إرشاد لهم بأنه لا يملك استعجال ما وعدهم به * (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) * أي تزكية لنفوسكم بالوعد والوعيد والزجر عن الذنوب المتسببة للعقاب والتحريض على الطاعة الموجبة بفضل الله تعالى للثواب * (وشفاء لما في الصدور) * أي دواء للقلوب من أمراضها التي هي أشد من أمراض الأبدان كالشك والنفاق والحسد والحقد وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين والتصفية والتهيء لتجليات الصفات الحقة * (وهدى) * لأرواحكم إلى الشهود الذاتي * (ورحمة) * (يونس: 57) بإفاضة الكمالات اللائقة بكل مقام من المقامات الثلاثة بعد حصول الاستعداد في مقام النفس بالموعظة ومقام القلب بالتصفية ومقام الروح بالهداية للمؤمنين بالتصديق أولا ثم باليقين ثانيا ثم بالعيان ثالثا.
وذكر بعضهم الموعظة للمريدين والشفاء للمحبين والهدى للعارفين والرحمة للمستأنسين والكل مؤمنون إلا أن مراتب الإيمان متفاوتة والخطاب في الآية لهم وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر، ويقال: إنه سبحانه بدأ بالموعظة لمريض حبه لأنها معجون لإسهال شهواته فإذا تطهر عن ذلك يسقيه شراب ألطافه فيكون ذلك شفاء له مما به فإذا شفي يغذيه بهدايته إلى نفسه فإذا كمل بصحبته يطهره بمياه رحمته من وسخ المرض ودرن الامتحان * (قل بفضل الله) * بتوفيقه للقبول في المقامتت * (وبرحمته) * بالمواهب الخلقية والعملية والكشفية فيها * (فبذلك فليفرحوا) * لا بالأمور الفانية القليلة المقدار الدنية القدر * (هو خير مما يجمعون) * (يونس: 58) من الخسائس والمحقرات، وفسر بعضهم الفضل بانكشاف صباح الأزل لعيون أرواح المريدين وزيادة وضوحه في لحظة حتى تطلع شموس الصفات. وأقمار الذات فيطيرون في أنوار ذلك بأجنحة الجذبات إلى حيث شاء الله تعالى والرحمة بتتابع مواجيد الغيوب للقلوب بنعت التفريد بلا انقطاع، ومن هنا قال ضرغام أجمة التصوف أبو بكر الشبلي قدس سره: وقتي سرمد وبحري بلا شاطىء؛ وقيل: فضله الوصال ورحمته الوقاية عن الانفصال، وقيل: فضله إلقاء نيران المحبة في قلوب المريدين ورحمته جذبه أرواح المشتاقين، وقيل: فضله سبحانه على العارفين كشف الذات وعلى المحبين كشف الصفات وعلى المريدين كشف أنوار الآيات ورحمته جل شأنه على العارفين العناية وعلى المحبين الكفاية وعلى المريدين الرعاية.
وقال الجنيد: فضل الله تعالى في الابتداء ورحمته في الانتهاء وهو مناسب لما قلنا، وقال الكتاني: فضل الله تعالى النعم الظاهرة ورحمته النعم الباطنة وقيل غير ذلك، * (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم) * أي أخبروني ما أنزل الله سبحانه من رزق معنوي كالمعارف الحقانية وكالآداب الشرعية * (فجعلتم منه حراما) * كالقسم الأول حيث أنكرتموه على أهله ورميتموه بالزندقة * (وحلالا) * كالقسم الثاني حيث قبلتموه * (قل الله أذن لكم) * في الحكم بالتحليل والتحريم * (أم على الله تفترون) * (يونس: 59) في ذلك، ثم أنه سبحانه أوعد المفترين بقوله عز من قائل: * (وما ظن الذين يفترون) * (يونس: 60) الخ، ففي الآية إشارة إلى سوء حال المنكرين على من تحلى بالمعارف الإلهية، ولعل منشأ ذلك زعمهم انحصار العلم
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»