تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٨٧
وشنع عليه وقال: إنما مثله مثل رجل خامل الذكر لما قدم مكة بال في زمزم ليشتهر بين الناس، وفي المثل خالف تعرف، ويؤيد كونها ليست للجلال أنه شافعي المذهب كما يشهد لذلك حاشيته على الأنوار. وفي فناوي ابن حجر أن بعض فقهائنا كفر من ذهب إلى إيمان فرعون مع ما عليه تلك الرسالة من اختلال العبارة وظهور الركاكة وعدم مشابهتها لسائر تأليفاته، ولولا خوف الاطالة لسردتها عليك، وبالجملة ظواهر الآي صريحة في كفرفرعون وعدم قبول إيمانه، ومن ذلك قوله سبحانه: * (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * فإنه ظاهر في استمرار فرعون على الكفر والمعاصي الموجبة لما حل به كما يدل عليه التعبير بكان والفعل المضارع ومع الإيمان لا استمرار، على أن نظمه في سلك من ذكر معه ظاهر أيضا في المدعى. وألحق بعضهم بذلك قوله تعالى: * (يأخذه عدو لي وعدو له) * (طه: 39) بناء على أن * (عدو) * صفة مشبهة وهي للثبوت فيدل على ثبوت عداوته لله تعالى وعداوته لرسوله عليه السلام وثبوت احدى العداوتين كاف في سوء حاله خلافا لمن وهم، وقد صرحوا أيضا بأن إيمان البأس واليأس غير مقبول ولا شك أن إيمان المخذول كان من ذلك القبيل وإنكاره مكابرة، وقد حكى إجماع الأئمة المحتهدين على عدم القابول ومستندهم فيه الكاتب والسنة، وما ينقل عن الإمام مالك من القبول لم يثبت عند المطلعين على أقوال المجتهدين واختلافاتهم. نعم صرح الإمام القاضي عبد الصمد من ساداتنا الحنفية في تفسيره بأن مذهب الصوفية أن الإيمان ينتفع به ولو عند معاينة العذاب، وهذا الإمام متقدم على الشيخ الأكبر قدس سره بنحو مائة سنة، وحينئذ تشكل حكاية الإجماع إلا أن يقال: بعدم تسليم صحة ذلك عن الصوفية الذين هم من أهل الاجتهاد المعول عليهم لما فيه من المخالفة للأدلة الظاهرة في عدم النفع فلا يخل ذلك بالإجماع بالاجماع. وفي الزواجر أنه على تقدير التسليم لا يضرنا ذلك في دعوى إجماع الأمة على كفر فرعون لأنا لم نحكم بكفره لأجل إيمانه عند البأس فحسب بل لما انضم إليه من أنه لم يؤمن بالله تعالى إيمانا صحيحيا بل كان تقليدا محضا بدليل قوله: * (إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * (يونس: 90) فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله تعالى وإنما سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلها فآمن بذلك الإله الذي سمع بني إسرائيل يقرون بوجوده وهذا هو محض التقليد الذي لا يقبل لا سيما من مثل فرعون الذي كان دهريا منكرا لوجود الصانع فإنه لا بد له من برهان قطعي يزيل ما هو عليه من الاعتقاد الخبيث البالغ نهاية القبح والفحش، وأيضا لا بد في إسلام الدهري ونحوه ممن كان قد دان بشيء أن يقر ببطلان ذلك الشيء الذي كفر به فلو قال: آمنت بالذي لا إله غيره لم يكن مسلما، وفرعون لم يعترف ببطلان ما كان كفر به من نفى الصانع وادعاء الإلهية لنفسه الخبيثة، وقوله: * (إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * لا يدري ما الذي أراد به فلذا صرح الأئمة بأن آمن بالذي لا إله غيره لا يحصل الإيمان للاحتمال فكذا ما قاله، وعلى التنزل فالإجماع منعقد على أن الإيمان بالله تعالى مع عدم الإيمان بالرسول لا يصح فلو سلمنا أن فرعون آمن بالله تعالى إيمانا صحيحا فهو لم يؤمن بموسى عليه السلام ولا تعرض له أصلا فلم يكن إيمانه نافعا، ألا ترى أن الكافر لو قال ألوفا من المرات أشهد أن لا إله إلا الله أو إلا الذي آمن به المسلمون لا يكون مؤمنا حتى يقول وان محمدا رسول الله.
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»