حكما إلهية. وعن ابن عامر أنه قرأ * (ولا تتبعان) * بالنون الخفيفة المكسورة لالتقاء الساكنين، ووجه ذلك ابن الحاجب بأن * (لا) * نافية والنون علامة الرفع، والجملة إما في موضع الحال من الضمير المرفوع في - استقيما - كأنه قيل: استقيما غير متبعين، والجملة المضارعية المنفية - بلا - الواقعة حالا يجوز اقترانها بالواو وعدمه خلافا لمن زعم وجوب عدم الاقتران بالواو إلا أن يقدر مبتدأ، وإما معطوفة على الجملة الطلبية التي قبلها وهي وإن كانت خبرية لفظا إلا أنها طلبية معنى لأن المراد منها النهي كما في قوله تعالى: * (تؤمنون بالله ورسوله) * (الصف: 11) و * (لا تعبدون إلا الله) * (البقرة: 83) والنهي المخرج بصورة الخبر أبلغ من النهي المخرج بصورته، ويجوز أن تعتبر الجملة مستأنفة للإخبار بأنهما لا يتبعان سبيل الجاهلين، ومن الناس من جعل * (لا) * في قراءة العامة نافية أيضا وهو ضعيف لأن النفي لا يؤكد على الصحيح، وقيل: * (لا) * ناهية والنون نون التوكيد الخفيفة كسرت لالتقاء الساكنين وهو تخريج لين فإن الكسائي وسيبويه لا يجيزانه لأنهما يمنعان وقوع الخفيفة بعد الألف سواء كانت ألف التثنية أو الألف الفاصلة بين نون الإناث ونون التوكيد نحو هل تضربنان يا نسوة، وأيضا النون الخفيفة إذا لقيها ساكن لزم حذفها عند الجمهور ولا يجوز تحريكها، لكن يونس. والفراء أجازا ذلك وفيه عنهما روايتان إبقاؤها ساكنة لأن الألف لخفتها بمنزلة الفتحة وكسرها على أصل التقاء الساكنين وعلى هذا يتم ذاك التخريج.
وقيل: إن هذه النون هي نون التوكيد الثقيلة إلا أنها خففت وهو كما ترى، وعنه أيضا * (ولا تتبعان) * بتخفيف التاء الثانية وسكونها وبالنون المشددة من تبع الثلاثي، وأيضا * (ولا تتبعان) * وهي كالأولى إلا أن النون ساكنة على إحدى الروايتين عمن تقدم في تسكين النون الخفيفة بعد الألف على الأصل واغتفار التقاء الساكنين إذا كان الأول ألفا كما في محياي. ثم اعلم أنه اشتهر في تعليل كسر النون في قراءة العامة بأنه لالتقاء الساكنين وظاهره أنه بذلك زال التقاء الساكنين وليس كذلك إذ الساكنان هما الألف والنون الأولى ولا شيء منهما بمتحرك وإنما المتحرك النون الثانية، ومن هنا قال بعض محققي النحاة: إن أصل التحريك ليتأتى الإدغام وكونه بالكسر تشبيها بنون التثنية، والتقاء الساكنين أعني الألف والنون الأولى غير مضر لما قالوا من جوازه إذا كان الأول حرف مد والثاني مدغما في مثله كما في - دابة - لارتفاع اللسان بهما معا حينئذ وقد حقق ذلك في موضعه فليراجع هذا والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) * (يونس: 42) أشار سبحانه إلى أنهم يستمعون لكن حكمهم حكم الأصم في عدم الانتفاع وذلك لعدم استعدادهم حقيقة أو حكما بأن كان ولكن حجب نوره رسوخ الهيآت المظلمة؛ وكذا يقال فيما بعد، ثم إنه تعالى رفع ما يتوهم من أن كونهم في تلك الحالة ظلم منه سبحانه لهم بقوله جل شأنه: * (إن الله لا يظلم الناس شيئا) * بسلب حواسهم وعقولهم مثلا * (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * (يونس: 44) حيث طلب استعدادهم الغير المجعول ذلك * (ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) * لذهولهم بتكاثف ظلمات المعاصي على قلوبهم * (يتعارفون بينهم) * بحكم سابقة الصحبة وداعية الهوى اللازمة للجنسية الأصلية، وهذا التعارف قد يبقى إذا اتحذوا في الوجهة واتفقوا في المقصد وقد لا يبقى وذلك إذا اختلفت الأهواء وتباينت الآراء فحينئذ تتفاوت الهيئات المستفادة من لواحق النشأة فيقع التناكر وعوارض العادة * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين) * (يونس: 45)