عندهم. وكقول الشيخ عبد القادر الجيلي قدس سره وقد تقدم: يا معاشر الأنبياء أوتيتم الألقاب وأوتينا ما لم تؤتوه إلى غير ذلك، فإن اعتقاد أفضلية ولي من الأولياء على نبي من الأنبياء كفر عظيم وضلال بعيد، ولو ساغ تفضيل ولي على نبي لفضل الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه على أحد من الأنبياء لأنه أرفع الأولياء قدرا كما ذهب إليه أهل السنة ونص عليه الشيخ قدس سره في كتاب القربة أيضا مع أنه لم يفضل كذلك بل فضل على من عداهم كما نطق به " ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر الصديق " فمتى لم يفضل الصديق وهو الذي وقر في صدره ما وقر ونال من الكمال ما لا يحصر فكيف يفضل غيره؟.
وفضل كثير من الشيعة عليا كرم الله تعالى وجهه وكذا أولاده الأئمة الطاهرين رضي الله تعالى عنهم أجمعين على كثير من الأنبياء والمرسلين من أولي العزم وغيرهم ولا مستند لهم في ذلك إلا أخبار كاذبة وأفكار غير صائبة. وبالجملة متى رأينا الشخص مؤمنا متقيا حكمنا عليه بالولاية نظرا لظاهر الحال ووجب علينا معاملته بما هو أهله من التوقير والاحترام غير غالين فيه بتفضيله على رسول أو نبي أو نحو ذلك مما عليه العوام اليوم في معاملة من يعتقدونه وليا التي هي أشبه شيء بمعاملة المشركين من يعتقدونه إلها نسأل الله تعالى العفو والعافية، ولا يشترط فيه صدور كرامة على يده كما يشترط في الرسول صدور معجزة، ويكفيه الاستقامة كرامة كما يدل عليه ما اشتهر عن أبي يزيد قدس سره، بل الولي الكامل لا التفات له إليها ولا يود صدورها على يده إلا إذا تضمنت مصلحة للمسلمين خاصة أو عامة. وفي " الجواهر " و " الدر " للشعراني سمعت شيخنا يقول: إذا زل الولي ولم يرجع لوقته عوقب بالحجاب، وهو أن يحبب إليه إظهار خرق العوائد المسماة في لسان العامة كرامات فيظهر بها ويقول: لو كنت مؤاخذا بهذه الذلة لقبض عني التصريف وغاب عنه أن ذلك استدراج بل ولو سلم من الزلة فالواجب خوفه من المكر والاستدراج، وقال بعضهم: الكرامة حيض الرجال ومن اغتر بالكرامات بالكرى مات. وأضر الكرامات للولي ما أوجب الشهرة فإن الشهرة آفة، وقد نقل عن الخواص أنها تنقص مرتبة الكمال، وأيد ذلك بالأثر المشهور خص بالبلاء من عرفه الناس. نعم ذكر في أسرار القرآن أن الولاية لا تتم إلا بأربع مقامات. الأول: مقام المحبة. والثاني: مقام الشوق. والثالث: مقام العشق. والرابع: مقام المعرفة، ولا تكون المحبة إلا بكشف الجمال ولا يكون الشوق إلا باستنشاق نسيم الوصال ولا يكون العشق إلا بدنو الأنوار ولا تكون المعرفة إلا بالصحبة، وتتحقق الصحبة بكشف الألوهية مع ظهور أنوار الصفات، ولحصول ذلك آثار وعلامات مذكورة فيه فليراجعه من أرادها؛ والكلام في هذا المقام كثير وكتب القوم ملأى منه وما ذكرناه كفاية لغرضنا. وأحسن ما يعتمد عليه في معرفة الولي اتباع الشريعة الغراء وسلوك المحجة البيضاء فمن خرج عنها قيد شبر بعد عن الولاية بمراحل فلا ينبغي أن يطلق عليه اسم الولي ولو أتى بألف ألف خارق، فالولي الشرعي اليوم أعز من الكبريت الأحمر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما الخيام فإنها كخيامهم * وأرى نساء الحي غير نسائها * (لا تبديل لكلمات الله) * (يونس: 64) أي لما سبق لهم في الأزل من حسن العناية، أولا تبديل لحقائقه سبحانه الواردة عليهم وأسمائه تعالى المنكشفة لهم وأحكام تجلياته جل وعلا النازلة بهم، أو لا تبديل لفطرهم التي فطرهم عليها، ويقال لكل محدث - كلمة - لأنه أثر الكلمة * (ولا يحزنك قولهم) * أي لا تتأثر به * (إن العزة لله جميعا) * لا يملك أحد سواه منها شيئا فسيكفيكهم الله تعالى ويقهرهم و * (هو السميع) * لأقوالهم * (العليم) * (يونس: 65) بما ينبغي أن يفعل بهم.