تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٧٨
نظر الحفظ والرعاية ولولا ذلك لهلكت الذرات واضمحلت سائر الموجودات * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم) * إذ لم يبق منهم بقية يخاف بسببها من حرمان * (ولا هم يحزنون) * (يونس: 62) لامتناع فوات شيء من الكمالات واللذات منهم * (الذين آمنوا) * الإيمان الحقيقي * (وكانوا يتقون) * (يونس: 63) بقاياهم وظهور تلوناتهم * (لهم البشرى في الحياة الدنيا) * بوجود الاستقامة والأخلاق المبشرة بجنة النفوس * (وفي الآخرة) * (يونس: 64) بظهور أنوار الصفات والحقائق عليهم المبشرة بجنة القلوب؛ والظاهر أن الموصول بيان للأولياء، فالولي هو المؤمن المتقي على الكمال ولهم في تعريفه عبارات شتى تقدم بعضها.
وفي الفتوحات: هو الذي تولاه الله تعالى بنصرته في مقام مجاهدته الأعداء الأربعة الهوى والنفس والشيطان والدنيا، وفيها تقسيم الأولياء إلى عدة أقسام منها الأقطاب والأوتاد والإبدال والنقباء والنخباء وقد ورد ذلك مرفوعا وموقوفا من حديث عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب. وأنس. وحذيفة بن اليمان. وعبادة بن الصامت. وابن عباس. وعبد الله بن عمر. وابن مسعود. وعوف بن مالك. ومعاذ بن جبل. وواثلة بن الأسقع. وأبي سعيد الخدري. وأبي هريرة. وأبي الدرداء. وأم سلمة، ومن مرسل الحسن. وعطاء. وبكر بن خنيس، ومن الآثار عن التابعين ومن بعدهم ما لا يحصى. وقد ذكر ذلك الجلال السيوطي في رسالة مستقلة له وشيد أركانه، وأنكره - كما قدمنا - بعضهم والحق مع المثبتين، وأنا والحمد لله تعالى منهم وإن كنت لم أشيد قبل أركان ذلك، والأئمة والحواريون والرجبيون والختم والملامية والفقراء وسقيط الرفرف ابن ساقط العرش والأمناء والمحدثون إلى غير ذلك، وعد الشيخ الأكبر قدس سره منهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والبيان الذي في الآية صادق عليهم عليهم السلام على أتم وجه، ونسب إليه رضي الله تعالى عنه القول بتفضيل الولي على النبي والرسول وخاض فيه كثير من المنكرين حتى كفروه وحاشاه بسبب ذلك، وقد صرح في غير موضع من فتوحاته وكذا من سائر تأليفاته بما ينافي هذا القول حسبما فهمه المنكرون، وقد ذكر في كتاب القربة أنه ينبغي لمن سمع لفظة من عارف متحقق مبهمة كأن يقول الولاية هي النبوة الكبرى أو الولي العارف مرتبته فوق مرتبة الرسول أن يتحقق المراد منها ولا يبادر بالطعن، ثم ذكر في بيان ما ذكر ما نصه: اعلم أنه لا اعتبار للشخص من حيث ما هو إنسان فلا فضل ولا شرف في الجنس بالحكم الذاتي وإنما يقع التفاضل بالمراتب، فالأنبياء صلوات الله تعالى عليهم ما فضلوا الخلق إلا بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم له مرتبة الولاية والمعرفة والرسالة ومرتبة الولاية والمعرفة دائمة الوجود ومرتبة الرسالة منقطعة فإنها تنقطع بالتبليغ والفضل للدائم الباقي، والولي العارف مقيم عنده سبحانه والرسول خارج وحالة الإقامة أعلى من حالة الخروج، فهو صلى الله عليه وسلم من حيثية كونه وليا وعارفا أعلى وأشرف من حيثية كونه رسولا وهو صلى الله عليه وسلم الشخص بعينه واختلفت مراتبه لا أن الولي منا أرفع من الرسول نعوذ بالله تعالى من الخذلان، فعلى هذا الحد يقول تلك الكلمة أصحاب الكشف والوجود إذ لا اعتبار عندنا إلا للمقامات ولا نتكلم إلا فيها لا في الأشخاص، فإن الكلام في الأشخاص قد يكون بعض الأوقات غيبة، والكلام على المقامات والأحوال من صفات الرجال، ولنا في كل حظ شرب معلوم ورزق مقسوم انتهى، وهو صريح في أنه قدس سره لا يقول هو ولا غيره من الطائفة بأن الولي أفضل من النبي حسبما ينسب إليه، وقد نقل الشعراني عنه أنه قال: فتح لي قدر خرم إبرة من مقام النبوة تجليا لا دخولا فكدت أحترق، فينبغي تأويل جميع ما يوهم القول بذلك كإخباره في كتابه التجليات وغيره باجتماعه ببعض الأنبياء عليهم السلام وإفادته لهم من العلم ما ليس
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»