كرمه جل جلاله وأنه يثيبه على فعله سأله أو لم يسأله ولذا لم يقل إن سؤالي الأجر إلا من الله تعالى، ثم لم يكتف بذلك حتى ضم إليه أنه مأمور بما يندرج فيه عدم سؤالهم والالتفات إلى ما عندهم وأن يتصف به على أتم وجه لأن * (من المسلمين) * أبلغ من مسلما كما تحقق في محله وفي ذلك قطع ما عسى أن يحول بينهم وبين إجابة دعوته والاتعاظ بعظته إلا أن القوم قد بلغوا الغاية في العناد والتمرد.
* (فكذبوه فنجيناه ومن معه فى الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) * * (فكذبوه) * أي فأصروا بعد أن لم يبق عليهم عليه السلام في قوس الإلزام منزعا وفي كأس بيان أن لا سبب لتوليهم غير التمرد مكرعا على ما هم عليه من التكذيب الدال عليه السباق واللحاق وهو عطف على جملة قوله تعالى: * (قال لقومه) * والفاء في قوله تعالى: * (فنجيناه) * فصيحة في رأي أي فحقت عليهم كلمة العذاب فأنجيناه، وأنكر ذلك الشهاب وادعى أن ذكر ما يشير إليه في عبارة بعض المفسرين توطئة للتفريع لا إشارة إلى أن الفاء فصيحة، وأنا لا أرى فيه بأسا إلا أن تقدير فعاملنا كلا بما تقتضيه الحكمة ونحوه عندي أولى، ومتعلق الإنجاء محذوف أي من الغرق كما يدل عليه المقام، وقيل: من أيدي الكفار أي فخلصناه من ذلك * (ومن معه) * من المؤمنين به وكانوا في المشهور أربعين رجلا وأربعين امرأة وقيل دون ذلك * (في الفلك) * أي السفينة وهو مفرد ههنا، والجار كما قال الأجهوري وغيره متعلق بأنجيناه أي وقع الإنجاء في الفلك، ويجوز أن يتعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف قبله الواقع صلة أي والذين استقروا معه في الفلك * (وجعلناهم خلائف) * عمن هلك بالإغراق بالطوفان وهو جمع خليفة * (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا) * وهم الباقون من قومه، والتعبير عنهم بالموصول للإيذان بعلية مضمون الصلة للإغراق وتأخير ذكره عن ذكر الإنجاء والاستخلاف لإظهار كمال العناية بشأن المقدم ولتعجيل المسرة للسامعين وللإيذان بسبق الرحمة التي هي من مقتضيات الربوبية على الغضب الذي هو من مستتبعات جرائم المجرمين * (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) * المخوفين بالله تعالى وعذابه والمراد بهم المكذبين، والتعبير عنهم بذلك للإشارة إلى إصرارهم على التكذيب حيث لم ينجع الإنذار فيهم ولم يفدهم شييئا وقد جرت عادة الله تعالى أن لا يهلك قوما بالاستئصال إلا بعد الإنذار لأن من أنذر فقد أعذر، والنظر كما قال الراغب يكون بالبصر والبصيرة والثاني أكثر عند الخاصة وسيق الكلام لتهويل ما جرى عليهم وتحذير من كذب بالرسول عليه الصلاة والسلام والتسلية له صلى الله عليه وسلم، والمراد اعتبر ما أخبر الله تعالى به لأنه لا يمكن أن ينظر إليه هو صلى الله عليه وسلم ولا من أنذره.
* (ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجآءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين) * * (ثم بعثنا) * أي أرسلنا * (من بعده) * أي من بعد نوح عليه الصلاة والسلام * (رسلا) * أي كراما ذوي عذر كثير فالتنكير للتفخيم والتكثير * (إلى قومهم) * قيل أي إلى أقوامهم على معنى أرسلنا كل رسول الله إلى قوم خاصة مثل هود إلى عاد وصالح إلى ثمود وغير ذلك ممن قص منهم ومن لم يقص لا على معنى أرسلنا كل رسول منهم إلى أقوام الكل أو إلى قوم أي قوم كانوا، وفيه إشارة إلى أن عموم الرسالة إلى البشر لم يثبت لأحد من أولئك الرسل عليهم الصلاة والسلام، وظاهر كلامهم الإجماع على أن ذلك مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم ولم يثبت لأحد ممن أرسل بعد نوح، واختلف فيه عليه السلام هل بعث إلى أهل الأرض كافة أو إلى أهل