تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٣٣
لمضمون ما سبق مفصح عن مضادة حالهم لحال المؤمنين أو خير ثان * (ويقبضون أيديهم) * عن الانفاق في طاعة الله ومرضاته كما روي عن قتادة. والحسن، وقبض اليد كناية عن الشح والبخل كما أن بسطها كناية عن الجود لأن من يعطي يمد يده بخلاف من يمنع، وعن الجبائي أن المراد يمسكون أيديهم عن الجهاد في سبيل الله تعالى وهو خلاف الشائع في هذه الكلمة * (نسوا الله) * النسيان مجاز عن الترك وهو كناية عن ترك الطاعة فالمراد لم يطيعوه سبحانه * (فنسيهم) * منه لطفه وفضله عنهم، والتعبير بالنسيان للمشاكلة * (إن المن‍افقين هم الف‍اسقون) * أي الكاملون في التمرد والفسق الذي هو الخروج عن الطاعة والانسلاخ عن كل حتى كأنهم الجنس كله، ومن هنا صح الحصر المستفاد من الفصل وتعريف الخبر وإلا فكم فاسق سواهم.
والاظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير، ولعله لم يذكر المنافقات اكتفاء بقرب العهد، ومثله في نكتة الاظهار [بم قوله سبحانه:
* (وعد الله المن‍افقين والمن‍افقات والكفار نار جهنم خ‍الدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) *.
* (وعد الله المن‍افقين والمن‍افقات والكفار) * أي المجاهرين فهو من عطف المغار، وقد يكون من عطف العام على الخاص * (نار جهنم خ‍الدين فيها) * حال مقدرة من مفعول * (وعد) * أي مقدرين الخلود، قيل: والمراد دخولهم وتعذيبهم بنار جهنم في تلك الحال لما يلوح لهم يقدرون الخلود في أنفسهم فلا حاجة لما قاله بعضهم من أن التقدير مقدري الخلود بصيغة المفعول.
والإضافة إلى الخلود لأنهم لم يقدروه وإنما قدره الله تعالى لهم، وقيل: إذا كان المراد يعذبهم الله سبحانه بنار جهنم خالدين لا يحتاج إلى التقدير، والتعبير بالوعد للتهكم نحو قول سبحانه: * (فبشرهم بعذاب أليم) * (الإنشقاق: 24) * (هي حسبهم) * عقابا وجزاء أي فيها ما يكفي من ذلك، وفيه ما يدل على عظم عقابها وعذابها فإنه إذا قيل للمعذب كفى هذا دل على أنه بلغ غاية النكاية * (ولعنهم الله) * أي أبعدهم من رحمته وخيره وأهانهم؛ وفي إظهار الاسم الجليل من الإيذان بشدة السخط ما لا يخفى * (ولهم عذاب مقيم) * أي نوع من العذاب غير عذاب النار دائم لا ينقطع أبدا فلا تكرار مع ما تقدم، ولا ينافي ذلك * (هي حسبهم) * لأنه بالنظر إلى تعذيبهم بالنار، وقيل: في دفع التكرار إن ما تقدم وعيد وهذا بيان لوقوع ما وعدوا به على أنه لا مانع من التأكيد، وقيل: إن الأول عذاب الآخرة وهذا عذاب ما يقاسونه في الدنيا من التعب والخوف في الفضيحة والقتل ونحوه، وفسرت الإقامة بعدم الانقطاع لأنها من صفات العقلاء فلا يوصف بها العذاب فهي مجاز عما ذكر.
وجوز أن يكون وصف العذاب بها كما في قوله تعالى: * (عشية راضية) * (القارعة: 7) فالمجاز حينئذ عقلي.
* (ك الذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأول‍ادا فاستمتعوا بخل‍اقهم فاستمتعتم بخل‍اقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخل‍اقهم وخضتم ك الذي خاضوا أول‍ائك حبطت أعم‍الهم في الدنيا والاخرة وأول‍ائك هم الخ‍اسرون) *.
* (كالذين من قبلكم) * التفات من الغيبة إلى الخطاب للتشديد، والكاف في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف أي أنتم مثل الذين من قبلكم من الأمم المهلكة أو في حيز النصب بفعل مقدر أي فعلتم مثل الذين من قبلكم، ونحوه قول النمر يصف ثور وحش وكلابا: حتى إذا الكلاب قال لها * كاليوم مطلوبا ولا طالبا فإن أصله لم أر مطلوبا رأيته اليوم ولا طلبة كطلبة رأيتها اليوم فاختصر الكلام فقيل لم أر مطلوبا كمطلوب اليوم لملابسته له ثم حذف المضاف اتساعا وعدم الباس، وقيل: كاليوم وقدم على الموصوف فصار
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»