تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٤٤
رضي الله تعالى عنه فأتاه فقال: يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل من صدقتي فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا فأبى أن يقبلها، ثم ولى عثمان رضي الله تعالى عنه فلم يقبلها منه وهلك في خلافته.
وفي بعض الروايات أن ثعلبة هذا كان قبل ذلك ملازما لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى لقب حمامة المسجد ثم رآه النبي صلى الله عليه وسلم يسرع الخروج منه عقيب الصلاة فقالا عليه الصلاة والسلام له: مالك تعمل عمل المنافقين؟ فقال: إني افتقرت ولي ولامرأتي ثوب واحد أجيء به للصلاة ثم أذهب فأنزعه لتلبسه وتصلي به فادع الله تعالى أن يوسع على رزقي إلى آخر ما في الخبر. والظاهر أن منع الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام عن القبول منه كان بوحي منه تعالى له بأنه منافق والصدقة لا تؤخذ منهم وان لم يقتلوا لعدم الإظهار، وحثوه للتراب ليس للتوبة من نفاقه بل للعار من عدم قبول زكاته مع المسلمين.
ومعنى هذا عملك هذا جزاء عملك وماقلته، وقيل: المراد بعمله طلبه زيادة رزقه وهذا إشارة إلى المنع أي هو عاقبة عملك، وقيل: المراد بالعمل عدم إعطائه للمصدقين. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ثعلبة أتى مجلسا من مجالس الأنصار فأشهدهم لئن آتاني الله تعالى من فضله تصدقت منه وآتيت كل ذي حق حقه فمات ابن عم له فورث منه مالا فلم يف بما عاهد الله تعالى عليه فأنزل الله تعالى فيه هذه الآيات. وقال الحسن: إنها نزلت في ثعلبة. ومعتب بن قشير خارجا على ملأ قعود فحلفا بالله تعالى لئن آتانا من فضله لنصدقن فلما آتاهما بخلا. وقال السائب: إن حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام فأبطأ عليه فجهد لذلك جهدا شديدا فحلف بالله لئن أتانا الله من فضله - يعني ذلك المال - لأصدقن ولأصلن فلما آتاه ذلك لم يف بما عاهد الله تعالى عليه وحكى ذلك عن الكلبي، والأول أشهر وهو الصحيح في سبب النزول، والمراد بالتصدق قيل: إعطاء الزكاة الواجبة وما بعده إشارة إلى فعل سائر أعمال البر من صلة الأرحام ونحوها. وقيل: المراد بالتصدق إعطاء الزكاة وغيرها من الصدقات وما بعده إشارة إلى الحج على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو إلى ما يعمه والنفقة في الغزو كما قيل. وقرىء * (لنصدقن ولنكونن) * بالنون الخفيفة فيهما.
* (فلمآ ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون) *.
* (فلما ءات‍اهم من فضله بخلوا به) * أم منعوا حق الله تعالى منه * (وتولوا) * أي أعرضوا عن طاعة الله سبحانه، * (وهم معرضون) *. أي وعم قوم عادتهم الأعراض عن الطاعات فلا ينكر منهم هذا؛ والجملة مستأنفة أو حالية والاستمرار المقتضى للتقدم لا ينافي ذلك، والمراد على ما قيل: تولوا باجرامهم وهم معرضون بقولبهم.
* (فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بمآ أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) *.
* (فأعقبهم) * أي جعل الله تعالى عاقبة فعلهم ذلك * (نفاقا) * أي سوء عقيدة وكفرا مضمرا * (في قلوبهم إلى يوم يلقونه) * أي الله تعالى، والمراد بذلك اليوم وقت الموت؛ فالضمير المستتر في أعقب لله تعالى وكذا الضمير المنصوب في * (يلقونه) *، والكلام على حذف مضاف، والمراد بالمفاق بعض معناه وتمامه إظهار الإسلام وإضماء الكفر، وليس بمراد كما أشرنا إلى ذلك كله، ونقل الزمخشري عن الحسن. وقتادة أن الضمير اوول للبخل وهو خلاف الظاهر بل قال بعض المحققين: إنه يأباه قوله تعالى:
* (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) * إذ ليس لقولنا أعقبهم البخل نفاقا بسبب اخلافهم الخ
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»