تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٣٤
حالا للاعتناء والمبالغة وحذف الفعل للقرينة الحالية ووجه الشبه المعمولية لفعل محذوف، وقوله سبحانه: * (كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا) * الخ تفسير للتشبيه وبيان لوجه الشبه بين المخاطبين ومن قبلهم فلا محل لها من الاعراب، وفيه إيذان بأن المخاطبين أولى وأحق بأن يصيبهم ما أصابهم * (فستمتعوا بخلاقهم) * أي تمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا، وفي صيغة الاستفعال ما ليس في التفعل من الاستفادة والاستدامة في التمتع، واشقاق الخلاق من الخلق بمعنى التقدير وهو أصل معناه لغة * (فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم) * ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم الخسيسة من الشهوات الفانية والتهائهم فيها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيدا لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم، ولذلك اختير الاطناب بزيادة * (فاستمتعوا بخلاقهم) * وهذا كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول أنت مثل فرعون كان يقتل بغير جرم ويعذب ويعسف وأنت تفعل مقله، ومحل الكافالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي استمتعتم استمتاعا كاستمتاع الذين * (وخضتم) * أي دخلتم في الباطل * (كالذي خاضوا) * أي كالذين فحذفت نونه تخفيفا كما في قوله: إن الذين حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد ويجوز أن أكون الذي صفة لمفرد اللفظ مجموع المعنى كالفوج والفريق فلوحظ في الصفة اللفظ وفي الضمير المغنى أو هو صفة مصذر محذوف أي كالخوض الذي خاضوه ورجح بعدم التكلف فيه، وقال الفراء: إن الذي تكون مصدرية وخرج هذا عليه أي كخوضهم وهو كما قال أبو البقاء نادر، وهذه الجملة عطف على ما قبلها وحينئذ إما أن يقدر فيها ما يجعلها على طرزه لعطفها عليه أو لا يقدر إشارة إلى الاعتناء بالأول * (أولئك) * إشارة إلى المتصفين بالصفات المعدودة من المشبهين والمشبه بهم، وكونه إشارة إلى الأخير يقتضي أن يكون حكم المشبهين مفهوما ضمنا ويؤدي إلى خلو تلوين الخطاب عن الفائدة إذ الظاهر حينئد أولئكم والخطاب لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام أو لكل من يصلح له أي أولئك المتصفون بما ذكر من القبائح * (حبطت أعمالهم) * أي التي كانوا يستحقون بها أجورا حسنة لو قارنت الإيمان، والحبط السقوط والبطلان والاضمحلال؛ والمراد لم يستحقوا عليها ثوابا وكرامة * (في الدنيا والآخرة) * أما في الآخرة فظاهر وأما في الدنيا فلأن ما حصل لهم من الصحة والسعة ونحوهما ليس الا بطريق الاستدراج كما نطقت به الآيات دون الكرامة * (وأولئك) * الموصوفون بحبط الأعمال في الدارين * (هم الخ‍اسرون) * أي الكاملون في الخسران الجامعون لمباديه وأسبابه طرا.
وإيراد اسم الإشارة في الموضعين للأشعار بعلية الأوصاف المشار إليها للحبط والخسران.
* (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصح‍ابمدين والمؤتفك‍ات أتتهم رسلهم بالبين‍ات فما كان الله ليظلمهم ول‍اكن كانوا أنفسهم يظلمون) *.
* (ألم يأتهم) * أي المنافقين * (نبأ الذين من قبلهم) * أي خبرهم الذي له شأن واستفهام للتقرير والتحذير * (قوم نوح) * أغرقوا بالطوفان * (وعاد) * أهلكوا بالريح * (وثمود) * أهلكوا بالرجفة، وغير الأسلوب في القومين لأنهم لم يشتهروا بنبيهم، وقيل: لأن الكثير منهم آمن * (وقوم إبراهيم) * أهلك نمروذ رئيسهم ببعوض وأبيدوا بعده لكن لا بسبب سماوي كغيرهم * (وأصح‍ابمدين) * أي أهلها وهم قوم شعيب عليه السلام أهلكوا
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»