تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٣٥
بالنار يوم الظلة أو بالصيحة والرجفة أو بالنار والرجفة على اختلاف الروايات * (والمؤتفكات) * جمع مؤتفكة من الائتفاك وهو الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفل بالخسف، والمراد بها إما قريات قوم لوط عليه السلام فالائتفاك على حقيقته فإنها انقلبت بهم وصار عاليها سافلها وأمطر على من فيها حجارة من سجيل وإما قريات المكذبين المتمردين مطلقا فالائتفاك مجاز عن انقلاب حالها من الخير إلى الشر على طريق الاستعارة كقول ابن الرومي: وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة * أعاليها بل أن تسود الأراذل لأنها لم يصبها كلها الائتفاك الحقيقي * (أتتهم رسلهم بالبينات) * استئناف لبيان نبئهم، وضمير الجمع للجميع لا للمؤتفكات فقط * (فما كان الله ليظلمهم) * أي فكذبوهم فأهلكهم الله تعالى فما كان الخ، فالفاء للعطف على ذلك المقدر الذي ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام، أي لم يكن من عادته سبحاته ما يشبه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم، وقد يحمل على استمرار النفي أي لا يصدر منه سبحانه ذلك أصلا بل هو أبلغ كما لا يخفى. وقول الزمخشري: أي فما صح منه أن يظلمهم وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح مبني على الاعتزال. * (ول‍اكن كانوا أنفسهم يظلمون) * حيث عرضوها بمقتضى استعدادهم للعقاب بالكفر والتكذيب، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار، وتقديم المفعول على ما قرره بعض الأفاضل لمجرد الاهتمام به مع مراعاة الفاصلة من غير قصد إلى قصر المظلومية عليهم على رأي من لا يرى التقديم موجبا للقصر كابن الأثير فيما قيل.
* (والمؤمنون والمؤمن‍ات بعضهم أوليآء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة ويطيعون الله ورسوله أول‍ائك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) *.
والمؤمنون والمؤمنات) * بيان لحسن حال المؤمنين والمؤمنات حالا ومآلا بعد بيان حال أضدادهم عاجلا وآجلا، وقوله سبحانه: * (بعضهم أولياء بعض) * يقابل قوله تعالى فيما مر: * (بعضهم من بعض) * (التوبة: 67)، وتغيير الأسلوب للإشارة إلى تناصرهم وتعاضدهم بخلاف أولئك؛ وقوله عز وجل: * (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) * ظاهر المقابلة * (ليأمرون بالمنكر) * الخ والكلام في المنكر والمعروف معروف، وقوله جل وعلا: * (ويقيمون الصلاة) * في مقابلة * (نسوا الله) * (التوبة: 67) وقوله تعالى جده: * (ويؤتون الزكواة) * في مقابلة * (يقبضون أيديهم) * (التوبة: 67) وقوله تعبارك وتعالى: * (ويطيعون الله ورسوله) * أي في سائر الأمور في مقابلة وصف المناقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة وقيل: هو في مقابلة * (نسوا الله) *، وقوله سبحانه: * (ويقيمون الصلاة) * زيادة مدح، وقوله تعالى شأنه: * (أولئك سيرحمهم الله) * في مقابلة * (فنسيهم) * (التوبة: 67) المفسر بمنع لطفه ورحمته سبحانه، وقيل: في مقابلة * (أولئك هم الفاسقون) * (النور: 4) لأنه بمعنى المتقين المرحومين، والإشارة إلى المؤمنين والمؤمنات باعتبار اتصافهم بما سلف من الصفات الجليلة، والاتيان بما يدل على البعد لما مر غير مرة.
والسين على ما قال الزمخشري وتبعه غير واحد لتأكيد الوعد وهي كما تفيد ذلك تفيد تأكيد الوعيد، ونظر فيه صاحب التقريب ووجه ذلك بأن السين في الإثبات في مقابلة لن في النفي فتكون بهذا الاعتبار تأكيدا لما دخلت عليه ولا فرق في ذلك بين أن يكون وعدا أو وعيدا أو غيرهما. وقال العلامة ابن حجر: ما زعمه الزمخشري من أن السين تفيد القطع بمدخولها مردود بأن القطع إنما فهم من المقام لا من الوضع وهو توطئة
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»