تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٢٢
رزق فإنه لا ينبغى ه أن يأخذ من ذلك، وإن عمل فيها ورزق من غيرها فلا بأس به، وهو يفيد صحة توليته وأن أخذه منها مكروه لإحرام، وصرح في الغاية بعدم صحة كون العامل هاشميا أو عبدا أو كافرا، ومنه يعلم حرمة تولية اليهود على بعض الأعمال وقد تقدمت نبذة من الكلام على ذلك * (والمؤلفة قلوبهم) * وهم كانوا ثلاثة أصناف. صنف كان يؤلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا. وصنف أسلموا لكن على ضعف كعيينة بن حصن. والأقرع بن حابس. والعباس بن مرداس السلمي فكان عليه الصلاة والسلام يعطيهم لتقوى نيتهم في الإسلام. وصنف كانوا يعطون لدفع شرهم عن المؤمنين، وعد منهم من يؤلف قلبه بإعطاء شيء من الصدقات على قتال الكفار ومانعي الكاة. وفي الهداية أن هذا الصنف من الأصناف الثمانية قد سقط وانعقد إجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه. روي أن عيينة والأقرع جاءا يطلبان أرضا من أبي بكر فكتب بذلك خطا فمزقه عمر رضي الله تعالى عنه وقال: هذا شيء يعطيكموه رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليفا لكم فأما اليوم فقد أغز الله تعالى الإسلام وأغني عنكم فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف. فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: أنت الخليفة أم عمر؟ بذلت لنا الخط ومزقه عمر، فقال رضي الله تعالى عنه: هو إن شاء ووافقه، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع احتمال أن فيه مفسدة كارتداد بعض منهم وإثارة ثائرة. واختلف كلام القوم في وجه سقوطه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثبوته بالكتاب إلى حين وفاته - بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام - فمنهم من ارتكب جواز نسخ ما ثبت بالكتاب بالإجماع بناء على أن الإجماع حجة قطعية كالكتاب وليس بصحيح من المذهب؛ ومنهم من قال: هو من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته كانتهاء جواز الصوم بانتهاء وقته وهو النهار. ورد بأن الحكم في البقاء لا يحتاج إلى علة كما في الرمل والاضطباع في الطواف فانتهاؤها لا يستلزم انتهاءه وفيه بحث. وقال علاء الدين عبد العزيز: والأحسن أن يقال: هذا تقرير لما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من حيث المعنى، وذلك أن المقصود بالدفع إليهم كان إعزاز الإسلام لضعفه في ذلك الوقت لغلبة أهل الكفر وكان الإعزاز بالدفع، ولما تبدلت الحال بغلبة أهل الإسلام صار الإعزاز في المنع، وكان الإعطاء في ذلك الزمان والمنع في هذا الزمان بمنزلة الآلة لإعزاز الدين والإعزاز هو المقصود وهو باق على حاله فلم يكن ذلك نسخا، كالمتيمم وجب عليه استعمال التراب للتطهير لأنه آلة متعينة لحصول التطهير عند عدم المار فإذا تبدلت حاله فوجد الماء سقط الأول ووجب استعمال الماء لأنه صار متعينا لحصول المقصود لا يكون هذا نسخا للأول فكذا هذا وهو نظير إيجاب الدية على العاقلة فإنها كانت واجبة على العشيرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده على أهل الديوان لأن الإيجاب على العاقلة بسبب النصرة والاستنصار في زمنه صلى الله عليه وسلم كان بالعشيرة وبعده عليه الصلاة والسلام بأهل الديوان، فإيجابها عليهم لم يكن نسخا بل كان تقريرا للمعنى الذي وجبت الدية لأجله وهو الاستنصار ا ه‍. واستحسنه في النهاية.
وتعقبه ابن الهمام بأن هذا لا ينفي النسخ لأن إباحة الدفع إليهم حكم شرعي كان ثابتا وقد ارتفع، وقال بعض المحققين: إن ذلك نسخ ولا يقال: نسخ الكتاب بالإجماع لا يجوز على الصحيح لأن الناسخ دليل الإجماع لا هو بناء على أنه لا إجماع إلا عن مستند فإن ظهر وإلا وجب الحكم بأنه ثابت، على أن الآية التي أشار إليها عمر رضي الله تعالى عنه وهي قوله سبحانه: * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * (الكهف: 29) يصلح لذلك وفيه نظر، فإنه إنما يتم لو ثبت نزول هذه الآية بعد هذه ولم يثبت، وقال قوم: لم يسقط سهم هذا الصنف، وهو قول الزهري وأبي جعفر
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»