ألصق جلده بالتراب في حفرة استتر بها مكان الإزار وألصق بطنه به لفرط الجوع فإنه يدل على غاية الضرر والشدة ولم يوصف الفقير بذلك، وبأن الأصمعي. وأبا عمرو بن العلاء وغيرهما من أهل اللغة فسروا المسكين بمن لا شيء له، والفقير بمن له بلغة من العيش. وأجيب بأن تمام الاستدلال بالآية موقوف على أن الصفة كاشفة وهو خلاف الظاهر، وأن النقل عن بعض أهل اللغة معارض بالنقل عن البعض الآخر. وقال الشافعي عليه الرحمة: الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته، والمسكين من له مال أو كسب لا يكفيه، فالفقير عنده أسوأ حالا من المسكين، واستدل له بقوله تعالى: * (وأما السفينة فكانت لمساكين) * (الكهف: 79) فأثبت للمسكين سفينة، وبما رواه الترمذي عن أنس. وابن ماجه. والحاكم عن أبي سعيد قالا: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين " مع ما رواه أبو داود عن أبي بكرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو بقوله: " اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر " وخبر " الفقر فخري " كذب لا أصل له. وبأن الله تعالى قدم الفقير في الآية ولو لم تكن حاجته أشد لما بدأ به، وبأن الفقير بمعنى المفقور أي مكسور الفقار أي عظام الصلب فكان أسوأ. وأجيب عن الأول بأن السفينة لم تكن ملكا لهم بل هم أجراء فيها أو كانت عارية معهم أو قيل لهم مساكين ترحما كما في الحديث " مساكين أهل النار " وقوله: مساكين أهل الحب حتى قبورهم * عليها تراب الذل بين المقابر وهذا أولى، وعن الثاني بأن الفقر المتعوذ منه ليس إلا فقر النفس لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل العفاف والغنى والمراد به غنى النفس لا كثرة الدنيا، وعن الثالث بأن التقديم لا دليل فيه إذ له اعتبارات كثيرة في كلامهم، وعن الرابع بأنا لا نسلم أن الفقير مأخوذ من الفقار لجواز كونه من فقرت له فقرة من مالي إذا قطعتها فيكون له شيء، وأيا ما كان فهما صنفان، وقال الجبائي: إنهما صنف واحد والعطف للاختلاف في المفهوم، وروي ذلك عن محمد. وأبي يوسف، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى بثلث ماله مثلا لفلان وللفقراء والمساكين فمن قال: إنهما صنف واحد جعل لفلان النصف ومن قال: إنهما صنفان جعل له الثلث من ذلك * (والعاملين عليها) * وهم الذين يبعثهم الإمام لجبايتها، وفي البحر أن العامل يشمل العاشر والساعي. والأول من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار المارين بأموالهم عليه.
والثاني هو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها، ويعطي العامل ما يكفيه وأعوانه بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم ما دام المال باقيا إلا إذا استغرقت كفايته الزكاة فلا يزاد على النصف لأن التصنيف عين الإنصاف.
وعن الشافعي أنه يعطي الثمن لأن القسمة تقتضيه وفيه نظر، وقيد بالوسط لا يجوز أن يتبع شهوته في المأكل والمشرب والملبس لكونه إسرافا محضا، وعلى الإمام أن يبعث من يرضي بالوسط من غير إسراف ولا تقتير، وببقاء المال لأنه لو أخذ الصدقة وضاعت من يده بطلت عمالته ولا يعطي من بين المال شيئا وما يأخذه صدقة، ومن هنا قالوا: لا تحل العمالة لهاشمي لشرفه، وإنما حلت للغني مع حرمة الصدقة عليه لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية، والغنى لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل كذا في البدائع، والتحقيق أن في ذلك شبها بالاجرة وشبها بالصدقة، فبالاعتبار الأول حلت للغنى ولذا لا يعطى لو أداها صاحب المال إلى الإمام، وبالاعتبار الثاني لا تحل للهاشمي. وفي النهاية رجل من بني هاشم استعمل على الصدقة فأجرى له منها