تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١١٧
* (وما منعهم أن تقبل منهم نفق‍اتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلواة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم ك‍ارهون) *.
* (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) * وقد يراد به ما هو الكامل وهو الكفر ويكون هذا منه تعالى بيانا وتقريرا لذلك، والاستثناء من أعم الأشياء أي ما منعهم أن تقبل نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم، ومنه يتعدى إلى مفعولين بنفسه وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجبر وهو - من - أو - عن -، وإذا عدى بحرف صح أن يقال: منعه من حقه ومنه حقه منه لأنه يكون بمعنى الحيلولة بينهما والحماية، ولا قلب فيه كما يتوهم، وجاز فيما نحن فيه أن يكون متعديا للثاني بنفسه وأن يقدر حرف وحذف حرف الجر مع إن وأن مقيس مطرد.
وجوز أبو البقاء أن يكون * (أن تقبل) * بدل اشتمال من - هم - في * (منعهم) * وهو خلاف الظاهر، وفاعل منع ما في حيز الاستثناء، وجوز أن يكون ضمير الله تعالى * (وأنهم كفروا) * بتقدير لأنهم كفروا.
وقرأ حمزة. والكسائي * (يقبل) * بالتحتانية لأنه تأنيت النفقات غير حقيقي مع كونه مفصولا عن الفعل بالجار والمجرور. وقرىء * (نفقتهم) * على التوحيد.
وقرأ السلمى * (أن يقبل منهم نفقاتهم) * ببناء * (يقبل) * للفاعل ونصب النفقات؛ والفاعل إما ضمير الله تعالى أو ضمير الرسول عليه الصلاة والسلام بناء على أن القبول بمعنى الأخذ * (ولا يأنون الصلاة) * المفروضة في حال من الأحوال * (إلا وهم كسالى) * أي إلا حال كونهم متثاقلين * (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * الانفاق لأنهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا، وهاتان الجملتان داخلتان في حيز التعليل. واستشكل بأن الكفر سبب مستقل لعدم القبول فما وجه التعليل بمجموع الأمور الثلاثة وعند حصول السبب المستقل لا يبقى لغيره أثر. وأجاب الإمام بأنه إنما يتوجه على المعتزلة القائلين بأن الكفر لكونه كفرا يؤثر في هذا الحكم وأما على أهل السنة فلا لأنهم يقولون: هذه الأسباب معرفات غير موجبة للثواب ولا للعقاب واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز، والقول بأنه إنما جيء بهما لمجرد الذم وليستا داخلتين في حيز التعليل وإن كان يندفع به الاشكال على رأي المعتزلة خلاف الظاهر كما لا يخفى.
* (فلا تعجبك أموالهم ولا أول‍ادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيواة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم ك‍افرون) *.
* (فإن قيل) * الكراهية خلاف الطواعية وقد جعل هؤلاء المنافقون فيما تقدم طائعين ووصفوا ههنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون وظاهر ذلك المنافاة. أجيب بأن المراد بطوعهم أنهم يبذلون من غير الزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أنهم يبذلون رغبة فلا منافاة. وقال بعض المحققين في ذلك: إن قوله سبحانه: * (أنفقوا طوعا أو كرها) * لا يدل على أنهم ينفقون طائعين بل غايته أنه ردد حالهم بين الأمرين وكون الترديد ينافي القطع محل نظر، كما إذا قلت: إن أحسنت أو أسأت لا أزورك مع أنه لا يحسن قطعا، ويكون الترديد لتوسع الدائرة وهو متسع الدائرة.
* (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) * أي لا يروقك شيء من ذلك فإنه استدراج لهم ووبال عليهم حسبما ينبىء عنه قوله تعالى: * (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) * والخطاب يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون لكل من يصلح له على حد ما قيل في نحو قوله تعالى: * (لا تشرك بالله) * ومفعول الإرادة قيل: التعذيب واللام زائدة وقيل: محذوف واللام تعليلية، أي يريد إعطاءهم لتعذيبهم، وتعذيبهم بالأموال والأولاد في الدنيا لما أنهم يكابدون بجمعها وحفظها المتاعب ويقاسون فيها الشدائد والمصائب وليس عندهم من الاعتقاد بثواب الله تعالى ما يهون عليهم ما يجدونه، وقيل: تعذيبهم في الدنيا بالأموال لأخذ الزكاة منهم والنفقة في سبيل الله
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»