تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١١١
روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في المنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وكانوا على ما في بعض الروايات تسعة وثلاثين رجلا. وأخرج أبو عبيد. وابن المنذر. وغيرهما عنه أن قوله تعالى: * (لا يستأذنك) * الخ نسخته الآية التي في النور * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله) * إلى * (إن الله غفور رحيم) * فجعل الله النبي صلى الله عليه وسلم باعلى النظرين في ذلك من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء.
* (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ول‍اكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع الق‍اعدين) *.
* (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) * أي أهبة من الزاد والراحلة وسائر ما يحتاج إليه المسافر في السفر الذي يريده.
وقرىء * (عده) * بضم العين وتشديد الدال والإضافة إلى ضمير الخروج، قال ابن جنى: سمع محمد بن عبد الملك يقرأ بها، وخرجت على أن الأصل عدته إلا أن التاء سقطت كما في إقام الصلاة وهو سماعي وإلى هذا ذهب الفراء، والضمير على ما صرح به غير واحد عوض عن التاء المحذوفة، قيل: ولا تحذف بغير عوض وقد فعلوا مثل ذلك في عدة بالتخفيف بمعنى الوعد كما في قول زهير: إن الخليط أجدوا البين فانجردوا * وأخلفوك عدى الأمر الذي وعدوا وقرىء * (عده) * بكسر العين بإضافة وغيرها * (ول‍اكن كره الله انبعاثهم) * أي خروجهم كما روي عن الضحاك أو نهوضهم للخروج كما قال غير واحد * (فثبطهم) * أي حبسهم وعوقهم عن ذلك: والاستدراك قيل عما يفهم من مقدم الشرطية فإن انتفاء إرادة الخروج يستلزم انتفاء خروجهم وكراهة الله تعالى انبعاثهم يستلزم تثبطهم عن الخروج فكأنه قيل: ما خرجوا لكن تثبطوا عن الخروج، فهو استدراك نفي الشيء بإثبات ضده كما يستدرك نفي الاحسان بإثبات الإساءة في قولك: ما أحسن إلى لكن أساء، والاتفاق في المعنى لا يمنع الوقوع بين طرفي لكن بعد تحقق الاختلاف نفيا وإثباتا في اللفظ، وبحث فيه بعضهم بأن * (لكن) * تقع بين ضدين أو نقيضين أو مختلفين على قول وقعت فيما نحن فيه بين متفقين على هذا التقرير فالظاهر أنها للتأكيد كما أثبتوا مجيئها لذلك وفيه نظر: واستظهر بعض المحققين كون الاستدراك من نفس المقدم على نهج ما في الأقيسة الاستثنائية، والمعنى لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن ما أرادوه لما أنه تعالى كره انبعاثهم من المفاسد فحبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له.
* (وقيل اقعدوا مع الق‍اعدين) * تمثيل لخلق الله تعالى داعية القعود فيهم والقائه سبحانه كراهة الخروج في قلوبهم بالأمر بالقعود أو تمثيل لوسوسة الشيطان بذلك فليس هناك قول حقيقة، ونظير ذلك قوله سبحانه: * (فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) * أي أماتهم، ويجوز أن يكون حكاية قول بعضهم لبعض أو أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في العقود فالقول على حقيقته، والمراد بالقاعدين الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت كالنساء والصبيان والزمنى أو الرجال الذين يكون لهم عذر يمنعهم عن الخروج، وفيه على بعض الاحتمالات من الذم ما لا يخفى فتدبر.
* (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولاوضعوا خل‍الكم يبغونكم الفتنة وفيكم سم‍اعون لهم والله عليم بالظ‍المين) *.
* (لو خرجوا فيكم) * بيان لكراهة الله تعالى انبعاثهم أي لو خرجوا مخالطين لكم * (ما زادوكم) * شيئا من الأشياء * (إلا خبالا) * أي شرا وفسادا. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عجزا وجبنا. وعن الضحاك غدرا ومكرا، وأصل الخبال كما قال الخازن: اضطراب ومرض يؤثر في العقل كالجنون، وفي مجمع البيان أنه الاضطراب في الرأي، والاستثناء مفرغ متصل والمستثنى منه ما علمت
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»