تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٢٠
وأخرج ابن جرير. وغيره عن داود بن أبي عاصم قال: " أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت ووراءه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل فنزلت "، وعن الكلبي أنها نزلت في أبي الجواظ المنافق قال: ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاء الغنم ويزعم أنه يعدل.
وتعقب هذا ولي الدين العراقي بأنه ليس في شيء من كتب الحديث، وأنت تعلم أن أصح الروايات الأولى إلا أن كون سبب النزول قسمته صلى الله عليه وسلم للصدقة على الوجه الذي فعله أوفق بالآية من كون ذلك قسمته للغنية فتأمل.
* (ولو أنهم رضوا مآ ءات‍اهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنآ إلى الله راغبون) *.
* (ولو أنهم رضوا ما آت‍اهم الله ورسوله) * أي ما أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقات طيبي النفوس به وان قل - فما - وإن كانت من صيغ العموم إلا أن ما قبل وما بعد قرينة على التخصيص، وبعض أبقاها على العموم أي ما أعطاهم من الصدقة أو الغنيمة قيل لأنه الأنسب، وذكر الله عز وجل للتعظيم وللتنبيه على أن ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام كان بأمره سبحانه * (وقالوا حسبنا الله) * أي كفانا فضله وما قسمه لنا كما يقتضيه المعنى * (سيؤتينا الله من فضله ورسوله) * بعد هذا حسبما نرجو ونأمل * (إنا إلى الله راغبون) * في أن يخولنا فضله جل شأنه، والآية بأسرها في حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره أي لكان خيرا لهم وأعود عليهم، وقيل: إن جواب الشرط * (قالوا) * والواو زائدة وليس بذلك، ثم إنه سبحانه لما ذكر المنافقين وطعنهم وسخطهم بين أن فعله عليه الصلاة والسلام لإصلاح الدين وأهله لا لأغراض نفسانية كأغراضهم [بم فقال جل وعلا:
* (إنما الصدق‍ات للفقرآء والمس‍اكين والع‍املين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغ‍ارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) *.
إنما الصدق‍ات للفقراء والمساكين) * الخ يعني أن الذي ينبغي أن يقسم مال الله عليه من اتصف باحدى هذه الصفات دون غيره إذ القصد الصلاح والمنافقون ليس فيهم سوى الفساد فلا يستحقونه وفي ذلك حسم لأطماعهم الفارغة ورد لمقالتهم الباطلة، والمراد من الصدقات الزكوات فيخرج غيرها من التطوع، والفقير على ما روي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من له أدنى شيء وهو ما دون النصاب أو قدر نصاب غير نام وهو مستغرق في الحاجة، والمسكين من لا شيء له فيحتاج للمسألة لقوته وما يوراى بدنه ويحل له ذلك بخلاف الأول حيث لا تحل له المسألة فإنها لا تحل لمن يملك قوت يومه بعد ستر بدنه، وعند بعضهم لا تحل لمن كان كسوبا أو يملك خمسين درهما. فقد أخرج أبو داود. والترمذي والنسائي عن ابن مسعود قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سألنا وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما أو قيمتها من الذهب " وإلى هذا ذهب الثوري. وابن المبارك. وأحمد واسحق، وقيل: من ملك أربعين درهما حرم عليه السؤال لما أخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " وكان الأوقية في ذلك الزمان أربعين درهما. ويجوز صرف الزكاة لمن لا تحل له المسألة بعد كونه فقيرا، ولا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة للحاجة، ولذا قالوا: يجوز للعالم وإن كانت له كتب تساوي نصبا كثيرة إذا كان محتاجا إليها للتدريس ونحوه أخذ الزكاة بخلاف العامي وعلى هذا جميع آلات المحترفين.
وعلى ما نقل عن الإمام يكون المسكين أسوأ حالا من الفقير، واستدل بقوله تعالى: * (أو مسكينا ذا متربة) * (البلد: 16) أي
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»