كل منهما أحسن من جميع العواقب غير الأخرى أو أحسن من جميع عواقب الكفرة أو كل منهما أحسن مما عداه من جهة، والمراد بهما النصرة والشهادة، والحاصل أن ما تنتظرونه لا يخلو من أحد هذين الأمرين وكل منهما عاقبته حسنى لا كما تزعمون من أن ما يصيبنا من القتل في الغزو سوء ولذلك سررتم به.
وصح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكفل الله تعالى لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة " * (ونحن نتربص بكم) * إحدى السوأيين من العواقب إما * (أن يصيبكم الله بعذاب من عنده) * فيهلككم كما فعل بالأمم الخالية قبلكم، والظرف صفة * (عذاب) * وكونه من عنده تعالى كناية عن كونه منه جل شأنه بلا مباشرة البشر، ويظهر ذلك المقابلة بقوله سبحانه: * (أو بأيدينا) * أي أو بعذاب كائن بأيدينا كالقتل بكونه على الكفر لأنه بدونه شهادة، وفيه إشارة إلى أنهم لا يقتلون حتى يظهروا الكفر ويصروا عليه لأنهم منافقون والمنافق لا يقتل ابتداء * (فتربصوا) * الفاء فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتنا * (إنا معكم متربصون) * ما هو عاقبتكم فإذا لقي كل منا ومنكم ما يتربصه لا نشاهد إلا ما يسؤوكم ولا تشاهدون إلا ما يسرنا، وما ذكرناه من مفعول التربص هو الظاهر، ولعله يرجع إليه ما روي عن الحسن أي فتربصوا مواعيد الشيطان إنا متربصون مواعد الله تعالى من إظهار دينه واستئصال من خالفه، والمراد من الأمر التهديد.
* (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين) *.
قل أنفقوا) * أموالكم في مصالح الغزاة * (طوعا أو كرها) * أي طائعين أو كارهين، فهما مصدران وقعا موقع الحال وصيغة * (أنفقوا) * وإن كانت للأمر إلا أن المراد به الخبر، وكثيرا ما يستعمل الأمر بمعنى الخبر كعكسه، ومنه قول كثير عزة: أسيئى بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقيلة ان تقلت وهو كما قال الفراء والزجاج في معنى الشرط أي إن أنفقتم على أي حال ف * (لن يتقبل منكم) *.
وأخرج الكلام مخرج الأمر للمبالغة في تساوي الأمرين في عدم القبول، كأنهم أمروا أن يجربوا فينفقوا في الحالين فينظروا هل يتقبل منهم فيشاهدوا عدم القبول، وفيه كما قال بعض المحققين: استعارة تمثيلية شبهت حالهم في النفقة وعدم قبولها بوجه من الوجوه بحال من يؤمر بفعل ليجربه فيظهر له عدم جدواه، فلا يتوهم أنه إذا أمر بالإنفاق كيف لا يقبل. والآية نزلت كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما جوابا عما في قول الجد بن قيس حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل لك في جلاد بني الأصفر؟ إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن لكن أعينك بمالي "، ونفي التقبل يحتمل أن يكون بمعنى عدم الأخذ منهم، ويحتمل أن يكون بمعنى عدم الإثابة عليه، وكل من المعنيين واقع في الاستعمال، فقبول الناس له أخذخ وقبول الله تعالى ثوابه عليه ويجوز الجمع بينهما، وقوله سبحانه: * (إنكم كنتم قوما فاسقين) * تعليل لرد انفاقهم، والمراد بالفسق العتو التمرد فلا يقال: كيف علل مع الكفر بالفسق الذي هو دونه وكيف صح ذلك مع التصريح بتعليله بالكفر [بم في قوله تعالى: