تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٦٤
المعدل وفلك البروج الموجود بالأرصاد القديمة والحديثة ليس شيئا واحدا بل كان ما وجده القدماء أكثر مما وجده المحدثون، وقد يظن أن ما وجده من هو أحدث زمانا كان أقل مما وجده من هو أقدم زمانا مع أن أكثر ما وجدوه لم يبلغ أربعة وعشرين جزءا وأقله لم ينقص عن ثلاثة وعشرين جزءا ونصف جزء. ثم الظاهر أن هذا الاختلاف إنما هو بسبب اختلال الآلات في استدارتها أو قسمتها أو نصبها في حقيقة نصف النهار لا بسبب تحرك إحدى المنطقتين إلى الأخرى وإلا لوجب أن يكون الاختلاف على نظام واحد ولم يوجد كذلك كما بين في محله لكنه يجوز أن يكون أصل الاختلاف بسبب التحرك وعدم الانتظام بسبب الاختلال ولما امتنع أن يكون هذا التقارب بحركة المعدل نحو منطقة البروج إذ يلزم منه أن تختلف عروض البلدان عما هي عليه وأن يكون خط الاستواء في كل زمان مكانا آخر ذهب بعضهم إلى أن منطقة البروج تتحرك في العرض فتقرب من معدل النهار فإن كان هذا حقا يجب أن يثبت فلكا آخر يحرك فلك البروج هذه الحركة ثم إن المنطقة إن تحركت في العرض أمكن أن تتم الدورة وأمكن أن لا تتمها بل تتحرك إلى غاية ما ثم تعود وتلك الغاية يمكن أن تكون بعد انطباقها على منطقة المعدل مرتين أو حال انطباقها الثاني أو فيما بين الانطباقين وذلك إما بعد قطع نصف دورتها أو حال قطع النصف أو قبله، وإن لم تصل إلى ما بين الانطباقين فإما أن تعود حال انطباقها الأول أو قيل ذلك ثمانية احتمالات عقلية لا مزيد عليها، وعلى التقديرات الخمس الأول: يتبادل نصفا سطح فلك البروج الشمالي والجنوبي فيصير نصف سطح فلك البروج الذي هو شمالي عن المعدل جنوبيا عنه وبالعكس مع ما يتبع النصفين من الأحكام فتثبت أحكام النصف الشمالي للنصف الجنوبي بعد صيرورته شماليا وأحكام الجنوبي للشمالي بعد صيرورته جنوبيا وفي الثلاثة الأولى منها ينطبق كل واحد من نصفي منطقة البروج على كل واحد من نصفي منطقة المعدل، وعلى التقديرات الباقية بعد الخمسة الأولى لا يتبادل غير البعض من السطح المذكور، وعلى التقديرات السبعة الأولى ينطبق النصف من منطقة فلك البروج على النصف المجاور له من منطقة المعدل وعند كل انطباق يتساوى الليل والنهار في جميع البقاع لأن مدار الشمس هو المعدل المنصف بالآفاق القاطعة له وتبطل فصول السنة لأن بعد الشمس عن سمت الرأس يكون شيئا واحدا هو مقدار عرض البلد ويستمر الحال على هذا إلى أن تفترق المنطقتان بمقدار يحس به ولا يكون ذلك إلا في مدة طويلة، وعلى التقدير الثاني: لا يكون شيء من الانطباق وتساوي الملوين وبطلان الفصول إلا أن الارتفاعات ومقادير الأيام والليالي لأجزاء بعينها من فلك البروج تزيد وتنقص في بقعة بعينها انتهى ملخصا.
ولا يخفى أنه من لوازم ما ذكروه من التبادل الناشيء عن الانطباق مرتين انطباق قطب البروج الجنوبي على قطب العالم الشمالي وعكسه وصيرورة بروج الخريف بروج الربيع وعكسه وبروج الصيف بروج الشتاء وعكسه وانعكاس توالي البروج إلى خلافه فيطلع الحوت ثم الدلو ثم الجدي وهكذا إلى الحمل وتوافق حركة ما حركته من المغرب إلى المشرق لحركة الفلك الأعظم إلى غير ذلك، وليس صيرورة المشرق مغربا والمغرب مشرقا من لوازم الانطباق المذكور بل لا يتصور أصلا، نعم لو كان المدعي انطباق منطقة المعدل على منطقة فلك البروج بحيث تكون الحركة للمعدل نحو المنطقة لتصور ما ذكر لكنه ممتنع على ما صرح به السيد السند فيما مر وقد فرض عدم الامتناع فتدبر والانتظار في الآية محمول على التمثيل المبني على تشبيه حال
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»