وبيان قبح ضده، وقد يراد بالأشياء الحقوق مطلقا فإنهم كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا قوما طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم وكانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه الجياد ويقولون دراهمك هذه زيوف فيقطعونها ثم يشترونها منه بالبخس. وروي أنهم يعطونه أيضا بدلها زيوفا فكأنه لما نهوا عن البخس في الكيل والوزن نهوا عن البخس والمكس في كل شيء. قيل: ويدخل في ذلك بخس الرجل حقه من حسن المعاملة والتوقير اللائق به وبيان فضله على ما هو عليه للسائل عنه. وكثير ممن انتسب إلى أهل العلم اليوم مبتلون بهذا البخس وليتهم قنعوا به بل جمعوا حشفا وسوء كيلة فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبدأ عليه السلام بذكر هذه الواقعة - على ما قال الإمام - (لأن عادة الأنبياء عليهم السلام أنهم إذا رأوا قومهم مقبلين على نوع من أنواع المفاسد إقبالا أكثر من إقبالهم على سائر الأنواع بدأوا بمنعهم عن ذلك النوع، وكان قومه عليه السلام مشغوفين بالبخس والتطفيف) أكثر من غيره، والمراد من الناس ما يعمهم وغيرهم أي لا تبخسوا غيركم ولا يبخس بعضكم بعضا.
* (ولا تفسدوا في الأرض) * بالجور أو به وبالكفر * (بعد إصلاحها) * أي إصلاح أمرها أو أهلها بالشرائع، فالإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله بحذف المضاف، والفاعل الأنبياء وأتباعهم. وجوز أن لا يقدر مضاف ويعتبر التجوز في النسبة الإيقاعية لأن إصلاح من في الأرض إصلاح لها، وأن تكون الإضافة من إضافة المصدر إلى الفاعل على الإسناد المجازي للمكان، وأن تكون على معنى في أي بعد إصلاح الأنبياء فيها. ويأبى الحمل على الظاهر لأن الإصلاح يتعلق بالأرض نفسها كتعميرها وإصلاح طرقها لا تفسدوا في الأرض.
* (ذلكم خير لكم) * إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه، وأيا ما كان فإفراد اسم الإشارة وتذكيره ظاهر. ومعنى الخيرية إما الزيادة مطلقا أو في الإنسانية وحسن الأحدوثة وما يطلبونه من التكسب والتربح لأن الناس إذا عرفوهم بالأمانة رغبوا في معاملتهم ومتاجرتهم، وقيل: ليس المراد من * (خير) * هنا معنى الزيادة لأنه ليس للتفضيل بل المعنى ذلكم نافع لكم.
* (إن كنتم مؤمنين) * قيل: المراد بالإيمان معناه اللغوي، وتخص الخيرية بأمر الدنيا أي إن كنتم مصدقين لي في قولي، ومثل هذا الشرط - على ما قال الطيبي - إنما يجاء به في آخر الكلام للتأكيد، ويعلم من هذا أن شعيبا عليه السلام كان مشهورا عندهم بالصدق والأمانة كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم مشهورا عند قومه بالأمين . وقال بعض الذاهبين إلى ما ذكر: إن تعليق الخيرية على هذا التصديق بتأويل العلم بها وإلا فهو خير مطلقا. وقال القطب الرازي: إن ذلك ليس شرطا للخيرية نفسها بل لفعلهم كأنه قيل: فاتوا به إن كنتم مصدقين بي فلا يرد أنه لا توقف للخيرية في الإنسانية على تصديقهم به. وقيل: المراد به مقابل الكفر وبالخيرية ما يشمل أمر الدنيا والآخرة أي ذلك خير لكم في الدارين بشرط أن تؤمنوا، وشرط الإيمان لأن