جوابهم شيء من الأشياء إلا قولهم أي لبعضهم الآخرين المباشرين للأمور أو ما كان جواب قومه الذين خاطبهم بما خاطبهم شيء من الأشياء إلا قول بعضهم لبعض معرضين عن مخاطبته عليه السلام * (أخرجوهم) * أي لوطا ومن معه * (من قريتكم) * أي بلدتكم التي أجمعتم فيها وسكنتم بها. والنظم الكريم من قبيل: تحية بينهم ضرب وجيع والقصد منه نفي الجواب على أبلغ وجه لأن ما ذكر في حيز الاستثناء لا تعلق له بكلامه عليه السلام من إنكار الفاحشة وتعظيم أمرها ووسمهم بما هو أصل الشر كله، ولو قيل: وقالوا أخرجوهم لم يكن بهذه المثابة من الإفادة.
وقوله سبحانه: * (إنهم أناس يتطهرون) * تعليل للأمر بالإخراج. ومقصود الأشقياء بهذا الوصف السخرية بلوط ومن معه وبتطهرهم من الفواحش وتباعدهم عنها وتنزههم عما في المحاش والافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم: أخرجوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد. وقرىء برفع * (جواب) * على أنه اسم كان، و * (إلا أن قالوا) * الخ خبر قيل: وهو أظهر وإن كان الأول أقوى في الصناعة لأن الأعرف أحق بالاسمية. وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر. وأيا ما كان فليس المراد أنهم لم يصدر عنهم في مقابلة كلام لوط عليه السلام ومواعظه إلا هذه المقالة الباطلة كما ينساق إلى الذهن بل إنه لم يصدر عنهم في المرة الأخيرة من مرات المحاورات الجارية بينه عليه السلام وبينهم إلا هذه الكلمة الشنيعة، وإلا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات كما حكى عنهم في غير موضع من الكتاب الكريم؛ وكذا يقال في نظائره، قيل: وإنما جيء بالواو في * (وما كان) * الخ دون الفاء كما في النمل (56) والعنكبوت (24) لوقوع الاسم قبل هنا والفعل هناك والتعقيب بالفعل بعد الفعل حسن دون التعقيب به بعد الاسم وفيه تأمل. ولعل ذكر * (أخرجوهم) * هنا و * (أخرجوا آل لوط) * في النمل (56) إشارة إلى أنهم قالوا مرة هذا وأخرى ذاك أو أن بعضا قال كذا وآخر قال كذا. وقال النيسابوري: إنما جاء في النمل * (أخرجوا آل لوط) * ليكون تفسيرا لهذه الكناية، وقيل: إن تلك السورة نزلت قبل الأعراف وقد صرح في الأولى، وكنى في الثانية اه. ولعل ما ذكرناه أولى فتأمل.
* (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) *.
* (فأنجيناه وأهله) * أي من اختص به واتبعه من المؤمنين سواء كانوا من ذوي قرابته عليه السلام أم لا. وقيل: ابنتاه ريثا ويغوثا. وللأهل معان ولكل مقام مقال، وهو عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه في باب الوصية الزوجة للعرف ولقوله سبحانه: * (قال لأهله امكثوا) * (القصص: 29) * (وسار بأهله) * (القصص: 29) فتدفع الوصية لها إن كانت كتابية أو مسلمة وأجازت الورثة. وعند الإمامين أهل الرجل كل من في عياله ونفقته غير مماليكه وورثته، وقولهما - كما في " شرح التكملة " - استحسان. وأيده ابن الكمال بهذه الآية لأنه لا يصح فيها أن يكون بمعنى الزوجة أصلا لقوله سبحانه: * (إلا امرأته) * فإنه استثناء من أهله وحينئذ لا يصح الاستثناء، وأنت تعلم أن الكلام في المطلق على القرينة لا في الأهل مطلقا واسم امرأته عليه السلام واهلة وقيل: والهة.
* (كانت من الغابرين) * أي بعضا منهم فالتذكير للتغليب ولبيان استحقاقها لما يستحقه المباشرون للفاحشة وكانت تسر الكفر وتوالي أهله فهلكت كما هلكوا. وجوز أن يكون المعنى كانت مع القوم الغابرين فلا تغليب. والغابر بمعنى الباقي ومنه قول الهذلي: فغبرت بعدهم بعيش ناصب ويجيء بمعنى الماضي والذاهب.
ومنه قوله الأعشى: في الزمن الغابر فهو من الأضداد كما في " الصحاح " وغيره. ويكون بمعنى الهالك أيضا. وفي بقاء امرأته مع أولئك القوم روايتان ثانيتهما أنه عليه السلام أخرجها مع أهله ونهاهم عن الالتفات فالتفتت هي فأصابها حجر فهلكت. والآية هنا محتملة للأمرين.