على حد: ولقد أمر على اللئيم يسبني ورد بأن الفاحشة هنا متعينة دون اللئيم، وكيفما كان فالمراد من نفي سبق أحد بها إياهم كونهم سابقين بها كل أحد ممن عداهم من العالمين لا مساواتهم الغير بها، فقد أخرج البيهقي وغيره عن عمرو بن دينار (قال ما نزا ذكر حتى كان قوم لوط)، والذي حملهم على ذلك - كما أخرج ابن عساكر وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - أنهم كانت لهم ثمار في منازلهم وحوائطهم وثمار خارجة على ظهر الطريق وانهم أصابهم قحط وقلة من الثمار فقال بعضهم لبعض: إنكم إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة من أبناء السبيل كان لكم فيها عيش قالوا: بأي شيء نمنعها؟ قالوا: اجعلوا سنتكم أن تنكحوا من وجدتم في بلادكم غريبا وتغرموه أربعة دراهم فإن الناس لا يظهرون ببلادكم إذا فعلتم ذلك ففعلوه واستحكم فيهم. وفي بعض الطرق أن إبليس عليه اللعنة جاءهم عند ذكرهم ما ذكروا في هيئة صبي أجمل صبي رآه الناس فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جرؤوا على ذلك. وجاء من رواية ابن أبي الدنيا عن طاوس أن قوم لوط إنما أتوا أولا النساء في أدبارهن ثم أتوا الرجال. وفي قول: * (من العالمين) * دون من الناس مبالغة لا تخفى.
* (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النسآء بل أنتم قوم مسرفون) *.
وقوله سبحانه: * (إنكم لتأتون الرجال) * يحتمل الاستئناف البياني والنحوي وهو مبين لتلك الفاحشة، والاتيان هنا بمعنى الجماع، وقرأ ابن عامر وجماعة * (أئنكم) * بهمزتين صريحتين، ومنهم من قرأ بتليين الثانية بغير مد، ومنهم من مد وهو حينئذ تأكيد للإنكار السابق وتشديد للتوبيخ، وفي الاتيان بإن واللام مزيد (تقبيح) وتقريع كأن ذلك أمر لا يتحقق صدوره عن أحد فيؤكد تأكيدا قويا، وفي إيراد لفظ * (الرجال) * دون الغلمان والمردان ونحوهما - كما قال شيخ الإسلام - مبالغة في التوبيخ كأنه قال: لتأتون أمثالكم * (شهوة) * نصب على أنه مفعول له أي لأجل الاشتهاء لا غير أو على الحالية بتأويل مشتهين، وجوز أن يكون منصوبا على المصدرية وناصبه (تأتون) لأنه بمعنى تشتهون، وفي تقييد الجماع الذي لا ينفك عن الشهوة بها إيذان بوصفهم بالبهيمية الصرفة وأن ليس غرضهم إلا قضاء الشهوة، وفيه تنبيه على أنه ينبغي للعاقل أن يكون الداعي (له) إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لا قضاء الشهوة، وجوز أن يكون المراد الإنكار عليهم وتقريعهم على اشتهائهم تلك الفعلة القذرة الخبيثة كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (من دون النساء) * أي متجاوزين النساء اللاتي هن محل الاشتهاء عند ذوي الطباع السليمة كما يؤذن به قوله سبحانه: * (بل أنتم قوم مسرفون) * فالجار والمجرور في موضع الحال من ضمير (تأتون)، وجوز أن يكون حالا من الرجال - على ما قاله أبو البقاء - أي تأتونهم منفردين عن النساء، وأن يكون في موضع الصفة لشهوة - على ما قيل - واستبعد تعلقه به، و * (بل) * للإضراب وهو إضراب انتقالي عن الإنكار المذكور إلى الإخبار بما أدى إلى ذلك وهو اعتياد الإسراف في كل شيء أو إلى بيان استجماعهم للعيوب كلها. ويحتمل أن يكون إضرابا عن غير مذكور وهو ما توهموه من العذر في ذلك أي لا عذر لكم فيه بل أنتم قوم عادتكم الإسراف والخروج عن الحدود، وهذا في معنى ذمهم بالجهل كما في سورة النمل (55) (1) إلا أنه عبر بالاسم هنا وبالفعل هناك لموافقة رؤوس الآي المتقدمة في كل والله تعالى أعلم بأسرار كلامه.
* (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) *.
* (وما كان جواب قومه) * أي المستكبرين منهم المتصدين للعقد والحل * (إلا أن قالوا) * استثناء مفرغ من أعم الأشياء أي ما كان