المخالفة * (فأخذتهم الرجفة) * لضعف قلوبهم وعدم قوة علمهم * (فأصبحوا في دارهم جاثمين) * (الأعراف: 78) موتى لا حراك بهم إلى حظيرة القدس.
وذكر البعض أن الناقة والسقب صورتا الإيمان بالله تعالى والإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام وقد ظهرا بالذات وبالواسطة من الحجر الذي تشبهه قلوب القوم وعقرهم للناقة من قبيل ذبح يحيى عليه السلام للموت الظاهر في صورة الكبش يوم القيامة. وفي ذلك دليل على أنهم من أسوأ الناس استعدادا وأتمهم حرمانا. ويدل على سوء حالهم أن الشيخ الأكبر قدس سره لم ينظمهم في " فصوص الحكم " في سلك قوم نوح عليه السلام حيث حكم لهم بالنجاة على الوجه الذي ذكره. وكذا لم ينظم في ذلك السلك قوم لوط عليه السلام وكأن ذلك لمزيد جهلهم وبعدهم عن الحكمة وإتيانهم البيوت من غير أبوابها وقذارتهم ودناءة نفوسهم. والذي عليه المتشرعون أن أولئك الأقوام كلهم حصب جهنم لا ناجي فيهم والله تعالى أحكم الحاكمين.
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره قد جآءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الارض بعد إصلاحها ذالكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) *.
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا) * عطف على ما مر. والمراد أرسلنا إلى مدين الخ. ومدين وسمع مديان في الأصل علم لابن إبراهيم الخليل عليه السلام ومنع صرفه للعلمية والعجمة ثم سميت به القبيلة، وقيل: هو عربي اسم لماء كانوا عليه، وقيل: اسم بلد ومنع صرفه للعلمية والتأنيث فلا بد من تقدير مضاف حينئذ أي أهل مدين مثلا أو المجاز. والياء على هذا عند بعض زائدة. وعن ابن بري الميم زائدة إذ ليس في كلامهم فعيل وفيه مفعل. وقال آخرون: إنه شاذ كمريم إذ القياس إعلاله كمقام. وعند المبرد ليس بشاذ قيل وهو الحق لجريانه على الفعل.
وشعيب قيل تصغير شعب بفتح فسكون اسم جبل أو شعب بكسر فسكون الطريق في الجبل. واختير أنه وضع مرتجلا هكذا. والقول بأن القول بالتصغير باطل لأن أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز تصغيرها فيه نظر لأن الممنوع التصغير بعد الوضع لا المقارن له ومدعي ذلك قد يدعي هذا وهو على ما وجد بخط النووي في " تهذيبه " (ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام)، وقيل: ابن ميكيل بن يشجر بن لاوي بن يعقوب، وبعضهم يقول: ميكائيل بدل ميكيل، ونقل ذلك عن خط الذهبي في " اختصار المستدرك ". وآخر يقول ملكاني بدله. وذكر أن أم ميكيل بنت لوط عليه السلام. وأخرج ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر عن الشرقي بن القطامي - وكان نسابة - أن شعيبا هو يثروب بالعبرانية وهو ابن عيفاء بن يوبب - بمثناة تحتية أوله وواو وموحدتين بوزن جعفر - بن إبراهيم عليه السلام، وقيل: في نسبه غير ذاك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إذا ذكر شعيب يقول: " ذلك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه " أي محاورته لهم، وكأنه - كما قيل - عنى عليه الصلاة والسلام ما ذكر في هذه السورة كما يعلم بالتأمل فيه.
وبعث رسولا إلى أمتين مدين وأصحاب الأيكة، قال السدي وعكرمة رضي الله تعالى عنهما: ما بعث الله تعالى نبيا مرتين إلا شعيبا مرة إلى مدين فأخذهم الله تعالى بالصيحة، ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله تعالى بعذاب يوم الظلة. وأخرج ابن عساكر في " تاريخه " من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا أن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله تعالى إليهما شعيبا. وهو - كما قال ابن كثير - غريب وفي رفعه نظر واختار أنهما أمة واحدة،