وزوال العقل بل اللذة الصرفة فقال أبو يوسف رضي الله تعالى عنه: الميل إلى الذكور عاهة وهو قبيح في نفسه لأنه محل لم يخلق للوطء ولهذا لم يبح في شريعة بخلاف الخمر فقال ابن الوليد: هو قبيح وعاهة للتلويث بالأذى ولا أذى في الجنة فلم يبق إلا مجرد الالتذاذ انتهى. وأنا أرى أن إنكار قبح اللواطة عقلا مكابرة ولهذا كانت الجاهلية تعير بها ويقولون في الذم فلان مصفر استه ولا أدري هل يرضى ابن الوليد لنفسه أن يؤتى في الجنة أم لا؟ فإن رضي اليوم أن يؤتي غدا فغالب الظن أن الرجل مأبون أو قد ألف ذلك وإن لم يرض لزمه الإقرار بالقبح العقلي. وإن ادعى أن عدم رضائه لأن الناس قد اعتادوا التعيير به وذلك مفقود في الجنة قلنا له: يلزمك الرضا به في الدنيا إذا لم تعير ولم يطلع عليك أحد فإن التزمه فهو كما ترى؛ ولا ينفعه ادعاء الفرق بين الفاعل والمفعول كما لا يخفى على الأحرار.
وصرحوا بأن حرمة اللواطة أشد من حرمة الزنا لقبحها عقلا وطبعا وشرعا والزنا ليس بحرام كذلك وتزول حرمته بتزويج وشراء بخلافها وعدم الحد عند الإمام لا لخفتها بل للتغليظ لأنه مطهر على قول كثير من العلماء وإن كان خلاف مذهبنا، وبعض الفسقة اليوم دمرهم الله تعالى يهونون أمرها ويتمنون بها ويفتخرون بالاكثار منها. ومنهم من يفعلها أخذا للثأر ولكن من أين، ومنهم من يحمد الله سبحانه عليها مبنية للمفعول وذلك لأنهم نالوا الصدارة بأعجازهم؛ نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. واعلم أن للواطة أحكاما أخر فقد قالوا: إنه لا يجب بها المهر ولا العدة في النكاح الفاسد ولا في المأتي بها لشبهة ولا يحصل بها التحليل للزوج الأول ولا تثبت بها الرجعة ولا حرمة المصاهرة عند الأكثر ولا الكفارة في رمضان في رواية ولو قذف بها لا يحد ولا يلاعن خلافا لهما في المسألتين كما في " البحر " أخذا من " المجتبى ". وفي " الشرنبلالية " عن " السراج " يكفي في الشهادة عليها عدلان لا أربعة خلافا لهما أيضا.
هذا ولم أقف للسادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم على ما هو من باب الإشارة في قصة قوم لوط عليه السلام، وذكر بعضهم في قصة قوم صالح عليه السلام بعد الإيمان بالظاهر أن الناقة هي مركب النفس الإنسانية لصالح عليه السلام ونسبتها إليه سبحانه لكونها مأمورة بأمره عز وجل مختصة به في طاعته وقربه. وما قيل: إن الماء قسم بينها وبينهم لها شرب يوم ولهم شرب يوم إشارة إلى أن مشربهم من القوة العاقلة العملية ومشربه من القوة العاقلة النظرية. وما روي أنها يوم شربها كانت تتفحج فيحلب منها اللبن حتى تملأ الأواني إشارة إلى أن نفسه تستخرج بالفكر من علومه الكلية الفطرية العلوم النافعة للناقصين من علوم الأخلاق والشرائع. وخروجها من الجبل خروجها من بدن صالح عليه السلام. وقال آخرون: إن الناقة كانت معجزة صالح عليه السلام وذلك أنهم سألوه أن يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر فخرجت فسقيت سر السر فأعطت بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الإلهية ثم قال لهم: ذروها ترتع في رياض القدس وحياض الأنس * (ولا تمسوها بسوء) * من مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة * (فيأخذكم عذاب أليم) * (الأعراف: 73) وهو عذاب الانقطاع عن الوصول إلى الحقيقة * (واذكروا إذ جعلكم خلفاء) * أي مستعدين للخلافة * (وبوأكم في الأرض) * أي أرض القلب * (تتخذون من سهولها) * وهي المعاملات بالصدق * (قصورا) * تسكنون فيها * (وتنحتون الجبال) * وهي جبال أطوار القلب * (بيوتا) * (الأعراف: 74) هي مقامات السائرين إلى الله تعالى. * (قال الملأ الذين استكبروا) * وهي الأوصاف البشرية والأخلاف الذميمة * (للذين استضعفوا) * من أوصاق القلب والروح * (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه) * (الأعراف: 75) ليدعو إلى الأوصاف النورانية * (فعقروا الناقة) * (الأعراف: 77) بسكاكين