عند أهل التحقيق في ذلك لأن قوله سبحانه: * (وما على الذين) * الخ خبر ولا نسخ في الأخبار فافهم.
* (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحيواة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولى ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منهآ أولائك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) *.
* (وذر الذين اتخذوا دينهم) * الذي فرض عليهم وكلفوه وأمروا بإقامة مواجبه وهو الإسلام * (لعبا ولهوا) * حيث سخروا به واستهزأوا، وجوز أن يكون المعنى اتخذوا الدين الواجب شيئا من جنس اللعب واللهو كعبادة الأصنام وتحريم البحائر والسوائب ونحو ذلك أو اتخذوا ما يتدينون به وينتحلونه بمنزلة الذين لأهل الأديان شيئا من اللعب واللهو. وحاصله أنهم اتخذوا اللعب واللهو دينا، وقيل: المراد بالدين العيد الذي يعاد إليه كل حين معهود بالوجه الذي شرعه الله تعالى كعيد المسلمين أو بالوجه الذي لم يشرع من اللعب واللهو كأعياد الكفرة لأن أصل معنى الدين العادة والعيد معتاد كل عام ونسب ذلك لابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمعنى على سائر الأقوال لا تبال بهؤلاء وامص لما أمرت به.
وأخرج ابن جرير وغيره أن المعنى على التهديد كقوله تعالى: * (ذرني ومن خلقت وحيدا) * (المدثر: 11) و * (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا) * (الحجر: 3)، وقيل: المراد الأمر بالكف عنهم وترك التعرض لهم. والآية عليه منسوخة بآية السيف، وهو مروي عن قتادة. ونصب * (لعبا) * على أنه مفعول ثان لاتخذوا وهو اختيار السفاقسي، ويفهم من ظاهر كلام البعض أنه مفعول أول و * (دينهم) * ثان، وفيه إخبار عن النكرة بالمعرفة. ويفهم من كلام الإمام أنه مفعول لأجله واتخذ متعد لواحد فإنه قال بعد سرد وجوه التفسير في الآية: " والخامس وهو الأقرب أن (المحق) في الدين هو الذي ينصر الدين لأجل أن قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب فأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرياسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدين للدنيا، وقد حكم الله تعالى عليها في سائر الآيات بأنها لعب ولهو. فالمراد من قوله سبحانه: * (وذر الذين اتخذوا) * الخ هو الإشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه. وإذا تأملت في حال أكثر الخلق وجدتهم موصوفين بهذه الصفة وداخلين تحت هذه الآية " اه. ولا يخفى أنه أبعد من العيوق فلا تغتر به وإن جل قائلة.
* (وغرتهم الحياة الدنيا) * أي خدعتهم وأطمعتهم بالباطل حتى أنكروا البعث وزعموا أن لا حياة بعدها واستهزأوا بآيات الله تعالى. وجعل بعضهم غر من الغر وهو ملء الفم أي أشبعتهم لذاتها حتى نسوا الآخرة وعليه قوله: ولما التقينا بالعشية غرني $ بمعروفه حتى خرجت أفوق * (وذكر به) * أي بالقرآن. وقد جاء مصرحا به في قوله سبحانه: * (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) * (ق: 45) والقرآن يفسر بعضه بعضا. وقيل: الضمير لحسابهم، وقيل: للدين. وقيل: إنه ضمير يفسره قوله سبحانه: * (أن تبسل نفس بما كسبت) * فيكون بدلا منه واختاره أبو حيان. وعلى الأوجه الأخر هو مفعول لأجله أي لئلا تبسل أو مخافة أو كراهة أن تبسل. ومنهم من جعله مفعولا به لذكر. ومعنى * (تبسل) * تحبس كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأنشد له قول زهير: وفارقتك برهن لافكاك له $ يوم الوداع وقلبي مبسل علقا وفي رواية ابن أبي حاتم عنه تسلم. وروي ذلك أيضا عن الحسن ومجاهد والسدى واختاره الجبائي والفراء، وفي رواية ابن جرير وغيره تفضح. وقال الراغب: * (تبسل) * هنا بمعنى تحرم الثواب. وذكر غير واحد