تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٩٧
وأما سبب عبادة العرب لها فغير ذلك. قال ابن هشام: " حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي - وهو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام - خرج من مكة إلى الشام في بعض أسفاره فلما قدم (مآب) من أرض البلقاء وبها يومئذ العمالقة أولاد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ (بن إرم) بن سام بن نوح عليه السلام رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه التي أراكم تعبدون؟ فقالوا: هذه الأصنام نعبدها ونستمطر بها فتمطرنا ونستنصر بها فتنصرنا فقال لهم: ألا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته. وقال ابن إسحق: يزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسمعيل عليه السلام وذلك أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيث ما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة (حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم) حتى خلفهم الخلف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام غيره فعبدوا الأوثان فصاروا على ما كانت الامم قبلهم من الضلالات "، وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة الكلام على ذلك.
* (وكذلك نرىإبراهيم ملكوت السم‍اوات والارض وليكون من الموقنين) *.
* (وكذالك نري إبراهيم) * هذه الإراءة من الرؤية البصرية المستعارة استعارة لغوية للمعرفة من إطلاق السبب على المسبب أي عرفناه وبصرناه، وكان الظاهر أرينا بصيغة الماضي إلا أنه عدل إلى صيغة المستقبل حكاية للحال الماضية استحضارا لصورتها حتى كأنها حاضرة مشاهدة، وقيل: إن التعبير بالمستقبل لأن متعلق الإراءة لا يتناهى وجه دلالته فلا يمكن الوقوف على ذلك إلا بالتدريج وليس بشيء. والإشارة إلى مصدر " نري " لا إلى إراءة أخرى مفهومة من قوله تعالى: * (إني أراك) * (الأنعام: 74) ولا إلى ما أنذر به أباه وضلل قومه من المعرفة والبصارة. وجوز كل، وقيل: يجوز أن يجعل المشبه التبصير من حيث إنه واقع والمشبه به التبصير من حيث إنه مدلول اللفظ، ونظيره وصف النسبة بالمطابقة للواقع وهي عين الواقع، وجوز كون الكاف بمعنى اللام والإشارة إلى القول السابق، وأنت تعلم ما هو الأجزل والأولى مما تقدم لك في نظائره وليس هو إلا الأول أي ذلك التبصير البديع نبصره عليه السلام.
* (ملكوت السم‍اوات والأرض) * أي ربوبيته تعالى ومالكيته لهما لا تبصيرا آخر أدنى منه، " فالملكوت مصدر كالرغبوت والرحموت - كما قاله ابن مالك وغيره من أهل اللغة - وتاؤه زائدة للمبالغة ولهذا فسر بالملك العظيم والسلطان القاهر، وهو - كما قال الراغب - مختص به تعالى " خلافا لبعضهم. وعن مجاهد أن المراد بالملكوت الآيات، وقيل: العجائب التي في السموات والأرض فإنه عليه السلام فرجت له السموات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن. وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أشرف على رجل على معصية من معاصي الله تعالى فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر على معصية من معاصي الله تعالى فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر فذهب يدعو عليه فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي فإنهم مني على ثلاث، إما أن يتوب العاصي فأتوب عليه، وإما أن أخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح وإما أن أقبضه إلي فإن شئت عفوت وإن شئت عاقبت " وروي نحو موقوفا ومرفوعا من طرق شتى ولا خلاف فيها لدلائل المعقول خلافا لمن توهمه، وقيل: ملكوت السموات: الشمس والقمر والنجوم. وملكوت الأرض: الجبال والأشجار والبحار.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»