تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٨٧
أن الإبسال والبسل في الأصل المنع، ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه أو لأنه متمنع، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه، وجاء البسل بمعنى الحرام. وفرق الراغب بينهما " بأن الحرام عام لما منع منه بحكم أو قهر والبسل الممنوع (منه) بالقهر "، ويكون بسل بمعنى أجل ونعم، واسم فعل بمعنى أكفف. وتنكير * (نفس) * للعموم مثله في قوله تعالى: * (علمت نفس ما أحضرت) * (التكوير: 14) أي لئلا تحبس وترهن كل نفس في الهلاك أو في النار أو تسلم إلى ذلك أو تفضح أو تحرم الثواب بسبب عملها السوء أو ذكر بحبس أو حبس كل نفس بذلك، وحمل النكرة على العموم مع أنها في الإثبات لاقتضاء السياق له، وقيل: إنها هنا في النفي معنى، وفيما اختاره أبو حيان من التفخيم وزيادة التقرير ما لا يخفى.
وقوله تعالى: * (ليس لها) * أي النفس * (من دون الله ولي ولاع شفيع) * إما استئناف للإخبار بذلك أو في محل رفع صفة * (نفس) * أو في محل نصب على الحالية من ضمير * (كسبت) * أو من * (نفس) * فإنه في قوة نفس كافرة أو نفوس كثيرة واستظهر بعض الحالية. ومن * (دون الله) * متعلق بمحذوف وقع حالا من * (ولي) *، وقيل: خبرا لليس، و * (لها) * حينئذ متعلق بمحذوف على البيان، ومن جعلها زائدة لم يعلقها بشيء، والمراد أنه لا يحول بينها وبين الله تعالى بأن يدفع عقابه سبحانه عنها ولي ولا شفيع.
* (وإن تعدل) * أي إن تفد تلك النفس * (كل عدل) * أي كل فداء. و " كل " نصب على المصدرية لأنه بحسب ما يضاف إليه لا مفعول به، وقيل: إنه صفة لمحذوف وهو بمعنى الكامل كقولك: هو رجل كل رجل أي كامل في الرجولية والتقدير عدلا كل عدل. ورد بأن كلا بهذا المعنى يلزم التبعية والإضافة إلى مثل المتبوع نعتا لا توكيدا كما في " التسهيل " ولا يجوز حذف موصوفة.
وقوله تعالى: * (لا يؤخذ منها) * جواب الشرط، والفعل مسند إلى الجار والمجرور كسير من البلد لا إلى ضمير العدل لأن العدل كما علمت مصدر وليس بمأخوذ بخلافه في قوله تعالى: * (لا يؤخذ منها عدل) * (البقرة: 48) فإنه فيه بمعنى المفدى به، وجوز كون الإسناد إلى ضميره مرادا به الفدية على الاستخدام إلا أنه لا حاجة إليه مع صحة الإسناد إلى الجار والمجرور، وبذلك يستغنى أيضا عن القول بكونه راجعا إلى المعدول به المأخوذ من السياق. وقيل: معنى الآية وإن تقسط تلك النفس كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة وإنما تقبل في الدنيا.
* (أول‍ائك) * أي المتخذون دينهم لعبا ولهوا المغترون بالحياة الدنيا * (الذين أبسلوا) * أي حرموا الثواب وسلموا للعذاب أو بأحد المعاني الباقية للإبسال * (بما كسبوا) * أي بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة. واسم الإشارة مبتدأ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجة المشار إليهم في سوء الحال، وخبره الموصول بعده، والجملة استئناف سيق إثر تحذير أولئك من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتلون بذلك. وقوله سبحانه: * (لهم شراب من حميم) * استئناف آخر مبين لكيفية الإبسال المذكور مبنى على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: ماذا لهم حين أبسلوا؟ فقيل: لهم شراب من حميم أي ماء حار يتجرجر ويتردد في بطونهم ويتقطع به أمعاؤهم * (وعذاب أليم) * بنار تشتعل بأبدانهم كما هو المتبادر من العذاب * (بما كانوا يكفرون) * أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا، ويطلق الحميم على الماء البارد فهو ضد كما في " القاموس ". وجوز أبو البقاء أن تكون جملة * (لهم شراب) * حالا من ضمير * (أبسلوا) * وان تكون خيرا لاسم
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»