تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٨٢
ولعل إيرادهم بهذا العنوان للإيذان بكمال سوء حالهم فإن تكذيبهم بذلك مع كونهم من قومه عليه الصلاة والسلام مما يقضي بغاية عتوهم ومكابرتهم، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر مرارا. * (وهو الحق) * أي الكتاب الصادق في كل ما نطق به لا ريب فيه أو المتحقق الدلالة أو الواقع لا محالة. والواو حالية والجملة بعدها في موضع الحال من الضمير المجرور، وقيل: الواو استئنافية وبعدها مستأنفة. وأيا ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم ونهاية قبحها.
* (قل لست عليكم بوكيل) * أي (بموكل فوض أمركم إلى أحفظ أعمالكم لأجازيكم بها) إنما أنا منذر ولم آل جهدا في الإنذار والله سبحانه هو المجازي قاله الحسن. وقال الزجاج: المراد إني لم أومر بحربكم ومنعكم عن التكذيب وفي معناه ما نقل عن الجبائي. والآية على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما منسوخة بآية القتال ولا بعد في ذلك على المعنى الثاني.
* (لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون) *.
* (لكل نبأ) * أي لكل شيء ينبأ به من الأنباء التي من جملتها عذابكم أو لكل خبر من الأخبار التي من جملتها خبر مجيئه * (مستقر) * أي وقت استقرار ووقوع ألبتة أو وقت استقراره بوقوع مدلوله وليس مصدرا ميميا. * (وسوف تعلمون) * أي حال نبئكم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا، و (سوف) للتأكيد.
* (وإذا رأيت الذين يخوضون فىءاي‍اتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره وإما ينسينك الشيط‍ان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظ‍المين) *.
* (وإذا رأيت الذين يخوضون في ءاياتنا) * بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها كما هو دأب قريش وديدنهم في أنديتهم وهم المراد بالموصول. وعن مجاهد أهل الكتاب فإن ديدنهم ذلك أيضا، ولذا أتى بإذا الدالة على التحقيق، وهذا بخلاف النسيان الآتي، وأصل الخوض من خاض القوم في الحديث وتخاوضوا إذا تفاوضوا فيه، وقال الطبرسي: " الخوض التخليط في المفاوضة على سبيل العبث واللعب وترك التفهم والتبيين "، وقال بعض المحققين: أصل معنى الخوض عبور الماء استعير للتفاوض في الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن للذم.
* (فأعرض عنهم) * أي أتركهم ولا تجالسهم * (حتى يخوضوا في حديث) * أي كلام * (غيره) * أي غير آياتنا. والتذكير باعتبار كونها حديثا فإن وصف الحديث بمغايرتها مشير إلى اعتبارها بعنوان الحديثية، وقيل: باعتبار كونها قرآنا. والمراد بالخوض هنا التفاوض لا بقيد التكذيب والاستهزاء. وادعى بعضهم أن المعنى حتى يشتغلوا بحديث غيره وأن ذكر * (يخوضوا) * للمشاكلة، واستظهر عود الضمير إلى الخوض. واستدل بعض العلماء بالآية على أن * (إذا) * تفيد التكرار لحرمة القعود مع الخائض كلما خاض، ونظر فيه بأن التكرار ليس من إذا بل من ترتب الحكم على مأخذ الاشتقاق. واستدلال بعض الحشوية بها على النهي عن الاستدلال والمناظرة في ذات الله تعالى وصفاته زاعما أن ذلك خوض في آيات الله تعالى مما لا ينبغي أن يلتفت إليه.
* (وإما ينسينك الشيطان) * بأن يشغلك فتنسى الأمر بالإعراض عنهم فتجالسهم ابتداء أو بقاء، وهذا على سبيل الفرض إذ لم يقع وأنى للشيطان سبيل إلى إشغال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا عبر بأن الشرطية المزيدة ما بعدها. وذهب بعض المحققين أن الخطاب هنا وفيما قبل لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام والمراد غيره، وقيل: لغيره ابتداء أي إذا رأيت أيها السامع وإن أنساك أيها السامع والمشهور عن الرافضة اختيار أن النبي صلى الله عليه وسلم
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»