تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٧٠
بطريق خاص هو الفصل بين الحق والباطل فافهم.
واحتج بعض أهل " السنة بقوله سبحانه: * (إن الحكم) * الخ لإفادته الحصر على أنه لا يقدر العبد على شيء من الأشياء إلا إذا قضى الله تعالى به فيمتنع منه فعل الكفر إلا إذا قضى الله تعالى به وحكم، وكذلك في جميع الأفعال. وقالت المعتزلة: إن قوله سبحانه: * (يقضي الحق) * معناه أن كل ما يقضي به فهو الحق، وهذا يقتضي أن لا يريد الكفر من الكافر والمعصية من العاصي لأن ذلك ليس بحق " ولا يخفى ما فيه.
* (قل لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الامر بينى وبينكم والله أعلم بالظالمين) *.
* (قل لو أن عندي) * أي في قدرتي وإمكاني * (ما تستعجلون به) * من العذاب * (لقضي الأمر بيني وبينكم) * أي بأن ينزل عليكم إثر استعجالكم، وفي بناء الفعل للمفعول من الإيذان بتعين الفاعل الذي هو الله جلت عظمته وتهويل الأمر ومراعاة حسن الأدب ما لا يخفى. وقال الزمخشري ومن تبعه: " المعنى لو كان ذلك في مكنتي لأهلكتكم عاجلا غضبا لربي عز وجل وامتعاضا من تكذيبكم به ولتخلصت منكم سريعا "، ولا يساعده المقام، ومثله حمل * (ما يستعجلون به) * على الآيات المقترحة وقضاء الأمر على قيام الساعة.
* (والله أعلم بالظالمين) * أي بحالهم وبأنهم مستحقون للإمهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب، ولذلك لم يفوض الأمر إلي ولم يقض بتعجيل العذاب، والجملة مقررة لما أفادته الجملة الامتناعية من انتفاء كون أمر العذاب مفوضا إليه عليه الصلاة والسلام المستتبع لانتفاء قضاء الأمر وتعليل له. وقيل: هي في معنى الاستدراك كأنه قيل: لو قدرت أهلكتكم ولكن الله تعالى أعلم بمن يهلك من غيره وله حكمة في عدم التمكين منه، وأيا ما كان فلا حاجة إلى حذف مضاف، وزعم بعضهم ذلك، والتقدير وقت عقوبة الظالمين وهو كما ترى والله تعالى أعلم.
* (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمهآ إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلم‍ات الارض ولا رطب ولا يابس إلا فى كت‍ابمبين) *.
* (وعنده مفاتح الغيب) * أي مفاتيحه كما قرىء به فهو جمع مفتح بكسر الميم وهو كمفتاح آلة الفتح، وقيل: إنه جمع مفتاح كما قيل في جمع محراب محارب، والكلام على الاستعارة حيث شبه الغيب بالأشياء المستوثق منها بالأقفال. وأثبت له المفاتيح تخييلا وهي باقية على معناها الحقيقي، وجعلها بمعنى العلم قرينة المكنية بناء على أنه لا يلزم أن تكون حقيقة بعيد، وأبعد منه تكلف التمثيل. وقيل: الأقرب أن يعتبر هناك استعارة مصرحة تحقيقية بأن يستعار العلم للمفاتح وتجعل القرينة الإضافة إلى الغيب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أن المراد من المفاتح الخزائن فهي حينئذ جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن. وجوز الواحدي أن يكون مصدرا بمعنى الفتح وليس بالمتبادر. وفي الكلام استعارة مكنية تخييلية، وتقديم الخبر لإفادة الحصر. والمراد بالغيب المغيبات على سبيل الإستغراق، والمقصود على كل تقدير أنه سبحانه هو العالم بالمغيبات جميعها كما هي ابتداء.
* (لا يعلمها إلا هو) * في موضع الحال من * (مفاتح) *، والعامل فيها - كما قال أبو البقاء - ما تعلق به الظرف أو نفسه إن رفعت به، ويجوز أن يكون تأكيدا لمضمون ما قبله، والكلام إما مسوق لبيان اختصاص المقدورات الغيبية به سبحانه من حيث العلم إثر بيان اختصاص كلها به تعالى من حيث القدرة، والمعنى أن ما تستعجلون به من العذاب ليس مقدورا لي حتى ألزمكم بتعجيله ولا
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»