هو الله تعالى بلا واسطة وتارة الملك وتارة الرسل وغيره وذلك حسب اختلاف أحوال المتوفى. وعن الزجاج وهو غريب أن المراد بالرسل هنا الحفظة فيكون المعنى يرسلهم للحفظ في الحياة والتوفي عند مجىء الممات. وقرأ حمزة " توفاه " بألف ممالة. وقرىء في الشواذ " تتوفاه ".
* (وهم) * أي الرسل * (لا يفرطون) * بالتواني والتأخير. وقرأ الإعرج * (يفرطون) * بالتخفيف من الإفراط. وهو مجاوزة الحد وتكون بالزيادة والنقصان أي لا يجاوزون ما حد لهم بزيادة أو نقصان، والجملة حال من * (رسلنا) * وقيل: مستأنفة سبقت لبيان اعتنائهم بما أمروا به.
* (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) *.
* (ثم ردوا) * عطف على * (توفته) * (الأنعام: 61) والضمير - كما قيل - للكل المدلول عليه بأحد وهو السر في مجيئه بطريق الالتفات، والإفراد أولا والجمع آخرا لوقوع التوفي على الإنفراد والرد على الاجتماع. وذهب بعض المحققين أن فيه التفاتا من الخطاب إلى الغيبة ومن التكلم إليها لأن الرد يناسبه الغيبة بلا شبهة وإن لم يكن الرد حقيقة لأنهم ماخرجوا من قبضة حكمه سبحانه طرفة عين. ونقل الإمام القول بعود الضمير على الرسل أي أنهم يموتون كما يموت بنو آدم، والأول هو الذي عليه غالب المفسرين. والمراد: ثم ردوا بعد البعث والحشر أو من البرزخ * (إلى الله) * أي إلى حكمه وجزائه أو إلى موضع العرض والسؤال * (مولاهم) * أي مالكهم الذي يلي أمورهم على الإطلاق ولا ينافي ذلك قوله تعالى: * (وأن الكافرين لا مولى لهم) * (محمد: 11) لأن المولى فيه بمعنى الناصر * (الحق) * أي العدل أو مظهر الحق أو الصادق الوعد.
وذكر حجة الإسلام قدس سره أن الحق مقابل الباطل وكل ما يخبر عنه فإما باطل مطلقا وإما حق مطلقا وإما حق من وجه باطل من وجه، فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقا والواجب بذاته هو الحق مطلقا والممكن بذاته الواجب بغيره حق من وجه باطل من وجه، فمن حيث ذاته لا وجود له فهو باطل ومن جهة غيره مستفيد للوجود فهو حق من الوجه الذي يلي مفيد الوجود، فمعنى الحق المطلق هو الموجود الحقيقي بذاته الذي منه يؤخذ كل حقيقة وليس ذلك إلا الله تعالى، وهذا هو مراد القائل إن الحق هو الثابت الباقي الذي لا فناء له.
وفي " التفسير الكبير " " أن لفظ المولى والولي مشتقان من (الولي: أي) القرب وهو سبحانه القريب (البعيد...) (1) ويطلق المولى أيضا على المعتق وذلك كالمشعر بأنه جل شأنه أعتقهم من العذاب وهو المراد من قوله سبحانه " سبقت رحمتي غضبي " وأيضا أضاف نفسه إلى العبيد وما أضافهم إلى نفسه وذلك نهاية الرحمة، وأيضا قال عز اسمه: * (مولاهم الحق) * والمعنى أنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس والشهوة والغضب كما قال سبحانه: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * (الجاثية: 23) فلما مات الإنسان تخلص من تصرفات الموالي الباطلة وانتقل إلى تصرف المولى الحق " انتهى. وهو كما ترى.
وادعى " أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن الإنسان ليس عبارة عن مجرد هذه البنية لأن صريحها يدل على حصول الموت للعبد ويدل على أنه بعد الموت يرد إلى الله تعالى والميت مع كونه ميتا لا يمكن أن يرد إلى الله تعالى لأن ذلك الرد ليس بالمكان والجهة لتعاليه سبحانه عنهما بل يجب أن يكون مفسرا بكونه منقادا لحكم الله تعالى مطيعا لقضائه وما لم يكن حيا لا يصح هذا المعنى فيه فثبت أنه حصل ههنا موت وحياة أما الموت