تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٤٨
المعنى، والمراد من يرد سبحانه أن يخلق فيه الضلال عن الحق يخلقه فيه حسب اختياره الناشىء عن استعداده، وجوز بعضهم أن يكون * (من) * في موضع نصب بفعل مقدر بعده يفسره ما بعده أي من يشق أو يعذب يشأ إضلاله.
* (ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * عطف على ما تقدم، والكلام فيه كالكلام فيه، والآية دليل لأهل السنة على أن الكفر والإيمان بإرادته سبحانه وأن الإرادة لا تتخلف عن المراد. والزمخشري لما رأى تخرق عقيدته الفاسدة رام رقعها كما هو دأبه فقال: " معنى * (يضلله) * يخذله ولم يلطف به و * (يجعله) * الخ يلطف به "، وقال غيره: المراد من يشأ إضلاله يوم القيامة عن طريق الجنة يضلله ومن يشأ يجعله على الصراط الذي يسلكه المؤمنون إلى الجنة وهو كما ترى. وكان الظاهر على ما قيل: أن يقال ومن يشأ يهده إلا أنه عدل عنه لأن هدايته تعالى وهي إرشاده إلى الهدى غير مختصة ببعض دون بعض. ولهذا قيل في تفسير * (يجعله) * الخ أي يرشده إلى الهدى ويحمله عليه.
* (قل أرأيتكم إن أت‍اكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم ص‍ادقين) *.
* (قل أرأيتكم) * أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبكتهم ويلقمهم الحجر بما لا سبيل لهم إلى إنكاره. والتاء على ما قاله أبو البقاء ضمير الفاعل وما بعده حرف خطاب جىء به للتأكيد وليس اسما لأنه لو كان كذلك لكان إما مجرورا ولا جار هنا أو مرفوعا وليس من ضمائر الرفع ولا مقتضى له أيضا أو منصوبا وهو باطل لثلاثة أوجه، الأول: أن هذا الفعل قلبي بمعنى علم يتعدى إلى مفعولين كقولك: أرأيت زيدا ما فعل فلو جعل المذكور مفعولا لكان ثالثا. والثاني: أنه لو جعل مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك ولذلك قلت: أرأيتك زيدا وزيد غير المخاطب ولا هو بدل منه. والثالث: أنه لو جعل كذلك لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء فكنت تقول: أرأيتماكما وأرأيتموكم وأرأيتكن وهذا مذهب البصريين.
والمفعولان في هذه الآية قيل: الأول: منهما محذوف تقديره أرأيتكم إياه أو إياها أي العذاب أو الساعة الواقعين في قوله سبحانه: * (إن أتاكم عذاب الله) * أي الدنيوي حسبما أتى من قبلكم * (أو أتتكم الساعة) * أي هو لها كما يدل عليه ما بعد لأن الكلام من باب التنازع حيث تنازع رأي وأتى في معمول واحد وهو * (عذاب الله) * و * (الساعة) * فأعمل الثاني وأضمر في الأول. والثاني: منهما جملة الاستفهام وهي قوله تعالى * (أغير الله تدعون) * والرابط لها بالمفعول الأول محذوف أي أغير الله تدعون لكشف ذلك. وقيل: لا تنازع والتقدير أرأيتكم عبادتكم للأصنام أو الأصنام التي تعبدونها هل تنفعكم، وقيل: إن الجملة الاستفهامية سادة مسد المفعولين.
وذهب الرضي تبعا لغيره أن رأى هنا بصرية وقيل: قلبية بمعنى عرف. وهي على القولين متعدية لواحد وأصل اللفظ الاستفهام عن العلم أو العرفان أو الإبصار إلا أنه تجوز به عن معنى أخبرني ولا يستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة لشيء. وفيه - على ما قال الكرماني - وغيره تجوزان إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار لأن الرؤية بأي معنى كانت سبب له. وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب. وقول بعضهم: إن الاستفهام للتعجيب لا ينافي كون ذلك بمعنى أخبرني لما قيل أنه بالنظر إلى أصل الكلام.
ونقل عن أبي حيان أن الأخفش قال: إن العرب أخرجت هذا اللفظ عن معناه بالكلية فقالوا: أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة الثانية إذا كان بمعنى أخبرت وإذا كان بمعنى أبصرت لم تحذف همزته وألزمته أيضا الخطاب على هذا المعنى
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»