تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٤٦
ولا يخفى أنه دليل كاسد على مذهب فاسد، ومن الناس من جعلها دليلا على أن للحيوانات بأسرها نفوسا ناطقة كما لأفراد الإنسان، وإليه ذهب الصوفية وبعض الحكماء الإسلاميين. وأورد الشعراني في " الجواهر والدرر " لذلك أدلة غير ما ذكر، منها أنه صلى الله عليه وسلم لما هاجر وتعرض كل من الأنصار لزمام ناقته قال عليه الصلاة والسلام: " دعوها فإنها مأمورة " ووجه الاستدلال بذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن الناقة مأمورة ولا يعقل الأمر إلا من له نفس ناطقة، وإذا ثبت أن للناقة نفسا كذلك ثبت للغير إذ لا قائل بالفرق، ومنها ما يشاهد في النحل وصنعتها أقراص الشمع والعناكب واحتيالها لصيد الذباب والنمل وادخاره لقوته على وجه لا يفسد معه ما ادخره. وأورد بعضهم دليلا لذلك أيضا النملة التي كلمت سليمان عليه الصلاة والسلام بما قص الله تعالى لنا عنها مما لا يهتدي إلى ما فيه إلا العالمون؛ وخوف الشاة من ذئب لم تشاهد فعله قبل فإن ذلك لا يكون إلا عن استدلال وهو شأن ذوي النفوس الناطقة، وعدم افتراس الأسد المعلم مثلا صاحبه فإن ذلك دليل على اعتقاده النفع ومعرفة الحسن وهو من شأن ذوي النفوس. وأغرب من هذا دعوى الصوفية. - ونقله الشعراني عن شيخه علي الخواص قدس الله تعالى سره - أن الحيوانات مخاطبة مكلفة من عند الله تعالى من حيث لا يشعر المحجوبون ثم قال: ويؤيده قوله تعالى: * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * (فاطر: 24) حيث نكر سبحانه وتعالى الأمة والنذير وهم من جملة الأمم.
ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول: جميع ما في الأمم فينا حتى إن فيهم ابن عباس مثلي. وذكر في " الأجوبة المرضية " أن فيهم أنبياء. وفي " الجواهر " أنه يجوز أن يكون النذير من أنفسهم وأن يكون خارجا عنهم من جنسهم. وحكى شيخه عن بعضهم أنه قال: إن تشبيه الله تعالى من ضل من عباده بالأنعام في قوله سبحانه وتعالى: * (إن هم إلا كالأنعام) * (الفرقان: 44) ليس لنقص فيها وإنما هو لبيان كمال مرتبتها في العلم بالله تعالى حتى حارت فيه فالتشبيه في الحقيقة واقع في الحيرة لا في المحار فيه فلا أشد حيرة من العلماء بالله تعالى فاعلى ما يصل إليه العلماء بربهم سبحانه وتعالى هو مبتدأ البهائم الذي لم تنتقل عنه أي عن أصله وإن كانت منتقلة في شؤونه بتنقل الشؤون الإلهية لأنها لا تثبت على حال. ولذلك كان من وصفهم الله عز وجل من هؤلاء القوم أضل سبيلا من الأنعام لأنهم يريدون الخروج من الحيرة من طريق فكرهم ونظرهم ولا يمكن ذلك لهم والبهائم علمت ذلك ووقفت عنده ولم تطلب الخروج عنه وذلك لشدة علمها بالله تعالى اه‍.
ونقل الشهاب عن ابن المنير أن من ذهب إلى أن البهائم والهوام مكلفة لها رسل من جنسها فهو من الملاحدة الذين لا يعول عليهم كالجاحظ وغيره، وعلى إكفار القائل بذلك نص كثير من الفقهاء والجزاء الذي يكون يوم القيامة للحيوانات عندهم ليس جزاء تكليف، على أن بعضهم ذهب إلى أن الحيوانات لا تحشر يوم القيامة وأول الظواهر الدالة على ذلك. وما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا أصل له.
والمثلية في الآية لا تدل على شيء مما ذكر. وأغرب الغريب عند أهل الظاهر أن الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم جعلوا كل شيء في الوجود حيا دراكا يفهم الخطاب ويتألم كما يتألم الحيوان وما يزيد الحيوان على الجماد إلا بالشهوة، ويستندون في ذلك إلى الشهود. وربما يستدلون بقوله سبحانه وتعالى: * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) * (الإسراء؛ 44) وبنحو ذلك من الآيات والأخبار. والذي ذهب إليه الأكثرون من العلماء أن التسبيح حالي لا قالي، ونظير ذلك: شكى إلي جملي طول
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»