تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٣٩
أو فافعل فعل أمر؛ والجملة جواب للشرط الأول، والمعنى إن شق عليك إعراضهم عن الإيمان وأحببت أن تجيبهم عما سألوه اقتراحا ليؤمنوا فإن استطعت كذا فتأتيهم بآية فافعل، وفيه إشارة إلى مزيد حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان قومه وتحصيل مطلوبهم واقتراحهم مع الإيماء إلى توبيخ القوم أو المعنى أن شق عليك إعراضهم فلو قدرت أن تأتي بالمحال أتيت به، والمقصود بيان أنه صلى الله عليه وسلم بلغ في الحرص على إيمانهم إلى هذه الغاية، وفيه إشعار ببعد إسلامهم عن دائرة الوجود كما لا يخفى على المتدبر، وإيثار الابتغاء على الاتخاذ ونحوه للإيذان بأن ما ذكر من النفق والسلم مما لا يستطيع ابتغاءه فكيف باتخاذه. وجوز أن يكون ابتغاء ذينك الأمرين أعني نفس النفوذ في الأرض والصعود إلى السماء آية، فالفاء في * (فتأتيهم) * حينئذ تفسيرية وتنوين * (آية) * للتفخيم، والمعنى عليه فإن استطعت ابتغاءهما فتجعل ذلك آية لهم فعلت. ورده أبو حيان بأن هذا لا يظهر من ظاهر اللفظ إذ لو كان كذلك لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية أي أية، وأيضا فأي آية في دخول سرب في الأرض وإن صح أن يكون الرقي إلى السماء آية، وما ذكرناه من أن إيتاء الآية منهما هو الظاهر المتبادر إلى الأذهان. ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في " الأسماء والصفات " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: إن المراد فتأتيهم بآية من السماء وابتغاء النفق للهرب، وأيد بما أخرجه الطستي عن نافع بن الأزرق أنه قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أخبرني عن قوله تعالى: * (فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض) * فقال رضي الله تعالى عنه سربا في الأرض فتذهب هربا وفيه بعد، وخبر ابن الأزرق قد قيل فيه ما قيل.
* (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) * أي لو شاء الله تعالى جمعهم على ما أنتم عليه من الهدى لجمعهم عليه بأن يوفقهم للإيمان فيؤمنوا معكم ولكن لم يشأ ذلك سبحانه لسوء اختيارهم حسبما علمه الله تعالى منهم في أزل الآزال، وقالت المعتزلة: المراد لو شاء سبحانه جمعهم على الهدى لفعل بأن يأتيهم بآية ملجئة إليه لكنه جل شأنه لم يفعل ذلك لخروجه عن الحكمة، والحق ما عليه أهل السنة.
* (فلا تكونن من الجاهلين) * أي إذا عرفت أنه سبحانه لم يشأ هدايتهم وإيمانهم فلا تكن بالحرص الشديد على إسلامهم أو الميل إلى نزول مقترحاتهم من قوم ينسبون إلى الجهل بدقائق شؤونه تعالى، وجوز أن يراد بالجاهلين - على ما نقل عن المعتزلة - المقترحون، ويراد بالنهي منعه صلى الله عليه وسلم من المساعدة على اقتراحهم، وإيرادهم بعنوان الجهل دون الكفر لتحقق مناط النهي. وقال الجبائي: المراد لا تجزع في مواطن الصبر فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم والأول أولى، وفي خطابه سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب دون خطابه بما خوطب به نوح عليه السلام من قوله سبحانه: * (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) * (هود: 46) إشارة إلى مزيد شفقته صلى الله عليه وسلم واشتباب حرصه عليه الصلاة والسلام فافهم هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (وله ما سكن في الليل والنهار) * يحتمل أن يكون الليل والنهار إشارة إلى قلب الكافر وقلب المؤمن وما سكن فيهما الكفر والإيمان ومعنى كون ذلك له سبحانه أنه من آثار جلاله وجماله، ويحتمل أن يكون إشارة إلى قلب العارف في حالتي القبض والبسط فكأنه قيل: وله ما سكن في قلوب العارفين المنقبضة والمنبسطة من آثار التجليات فلا تلتفت في الحالتين إلى سواه عز شأنه
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»