تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٤٩
فلا تقول أبدا أراني زيد عمرا ما صنع وتقول هذا على معنى أعلم، وأخرجته أيضا عن موضوعه بالكلية لمعنى إما بدليل دخول الفاء بعده كقوله تعالى: * (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) * (الكهف: 63) الآية. فما دخلت الفاء إلا وقد خرجت لمعنى أما. والمعنى أما إذ أوينا إلى الصخرة فالأمر كذا وكذا. وقد أخرجته أيضا إلى معنى أخبرني كما قدمنا، وإذا كان بهذا المعنى فلا بد بعده من اسم المستخبر عنه وتلزم الجملة بعد الاستفهام. وقد يخرج لهذا المعنى وبعده الشرط وظرف الزمان اه‍ ولم يوافق في جميع ذلك.
وذهب شيخ أهل الكوفة الكسائي إلى أن التاء ضمير الفاعل وأداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول. وذهب الفراء إلى أن التاء حرف خطاب واللواحق بعده في موضع الرفع على الفاعلية وهي ضمائر نصب استعملت استعمال ضمائر الرفع. والكلام على ذلك مبسوط في محله. والمختار عند كثير من المحققين ما ذهب إليه البصريون من جعل كم هنا وكذا سائر اللواحق حرف خطاب ومتعلق الاستخبار عندهم ومحط التبكيت قوله تعالى. * (أغير الله) * الخ.
وقوله سبحانه: * (إن كنتم صادقين) * متعلق بأريتكم مؤكد للتبكيت كاشف عن كذبهم. وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة المذكور عليه، والتقدير - على ما قيل - إن كنتم صادقين في أن أصنامكم آلهة (أو أن عبادتكم لها نافعة) أو إن كنتم قوما من شأنكم الصدق فأخبروني أإلها غير الله تعالى تدعون إن أتاكم عذاب الله الخ فإن صدقهم من موجبات إخبارهم بدعائهم غيره سبحانه. وقيل: إن الجواب ما يدل عليه قوله تعالى: * (أغير الله تدعون) * أعني فادعوه على أن الضمير لغير الله، واعترض بأنه يخل بجزالة النظم الكريم كيف لا والمطلوب منهم إنما هو الإخبار بدعائهم غيره جل شأنه عند ءتيان ما يأتي لا نفس دعائهم إياه، وجوز آخرون كون متعلق الاستخبار محذوفا تقديره أخبروني إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون، وجعلوا قوله سبحانه: * (أغير الله) * الخ استئنافا للتبكيت على معنى أتخصون آلهتكم بالدعوة كما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله تعالى دونها، وعليه فتقديم المفعول للتخصيص. وبعضهم جعل تقديمه لأن الإنكار متعلق به وأنكر تعلقه بالتخصيص.
* (بل إي‍اه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شآء وتنسون ما تشركون) *.
نعم التقديم في قوله تعالى: * (بل إياه تدعون) * للتخصيص أي بل تخصونه سبحانه بالدعاء وليس لرعاية الفواصل، والتخصيص مستفاد مما بعد وهو عطف على جملة منفية تفهم من الكلام السابق كأنه قيل: لا غير الله تدعون بل إياه تدعون، وجعله في " الكشف " عطفا على * (أغير الله تدعون) * (الأنعام: گ 4) وأورد الزمخشري على كون * (أغير الله تدعون) * متعلق الاستخبار أن قوله سبحانه: * (فيكشف ما تدعون إليه) * أي ما تدعونه إلى كشفه مع قوله تعالى: * (أو أتتكم الساعة) * (الأنعام: 40) يأباه فإن قوارع الساعة لا تكشف عن المشركين. وأجاب بأنه قد اشترط في " الكشف " المشيئة بقوله جل شأنه: * (إن شاء) * وهو عز وجل لا يشاء كشف هاتيك الفوارع عنهم، وخص الايراد بذلك الوجه - على ما في " الكشف " - لأن الشرطين فيه لما كانا متعلقين بقوله سبحانه: * (أغير) * (الأنعام: 40) الخ وكان * (بل إياه) * الخ عطفا عليه ضرابا عنه والمعطوف في حكم المعطوف عليه وجب أن يكونا متعلقين به أيضا. ولما كان الكشف مستعقب الدعاء مستفادا عنه وجب أن يكونا متعلقين به أيضا فجاء سؤال أن قوارع الساعة لا تكشف. وأما في الوجه الآخر فلأن * (أغير) * الخ لما كان كلاما مستقلا لم يتعلق به الشرطان لفظا بل جاز أن يقدرا أو هو الظاهر إن ساعد المعنى، وأن يقدر واحد منهما حسب استدعاء
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»