تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٣٨
ومما يدل على عبوديته عليه السلام من كتب النصارى أن قولس قال في " رسالته الثانية ": أنظروا إلى هذا الرسول رئيس أحبارنا يسوع المؤتمن من عند من خلقه مثل موسى عليه السلام في جميع أحواله غير أنه أفضل من موسى عليه السلام، وقال مرقس في " إنجيله ": قال يسوع: إن نفسي حزينة حتى الموت، ثم خر على وجهه يصلي لله تعالى، وقال: أيها الأب كل شيء بقدرتك أخر عني هذا الكاس لكن كما تريد لا كما أريد، ثم خر على وجهه يصلي لله تعالى، ووجه الدلالة في ذلك ظاهر إذ هو سائل والله تعالى مسؤول، وهو مصل والله تعالى مصلى له، وأي عبودية تزيد على ذلك، ونصوص " الأناجيل " ناطقة بعبوديته عليه السلام في غير ما موضع، ولله تعالى در أبي الفضل حيث يقول فيه: هو عبد مقرب ونبي * ورسول قد خصه مولاه طهر الله ذاته وحباه * ثم أتاه وحيه وهداه وبكن خلقه بدا كلمة الل‍ * - ه إلى مريم البتول براه هكذا شأن ربه خالق الخل‍ * - ق بكن خلقهم فنعم الإله والأناجيل شاهدات وعنه * إنما الله ربه لا سواه كان لله خاشعا مستكينا * راغبا راهبا يرجى رضاه ليس يحيا وليس يخلق إلا * أن دعاه وقد أجاب دعاه إنما فاعل الجميع هو الل‍ * - ه ولكن على يديه قضاه ويكفي في إثبات عبوديته عليه السلام ما أشار الله تعالى إليه بقوله: * (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) * ( المائدة: 75) وفي التعبير بالمسيح ما يشعر بالعبودية أيضا.
* (ولا المل‍ائكة المقربون) * عطف على * (المسيح) * كما هو الظاهر أي لا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدا لله تعالى، وقيل: إنه عطف على الضمير المستتر في * (يكون) * أو * (عبدا) * لأنه صفة وليس بشيء، وتقدير متعلق الفعل لازم على ما ذهب إليه الأكثرون، وقيل: أريد - بالملائكة - كل واحد منهم فلا حاجة إلى التقدير، وزعم بعضهم أنه من عطف الجمل والتزم تقدير الفعل وهو كما ترى.
واحتج بالآية القاضي أبو بكر والحليمي والمعتزلة على أن الملائكة أفضل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الذي يقتضيه السياق وقواعد المعاني وكلام العرب الترقي من الفاضل إلى الأفضل فيكون المعنى لا يستنكف المسيح ولا من هو فوقه، كما يقال: لن يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان دون العكس، وأجيب بأن سوق الآية وإن كان ردا على النصارى لكنه أدمج فيه الرد على عبدة الملائكة المشاركين لهم في رفع بعض المخلوقين عن مرتبة العبودية إلى درجة المعبودية، وادعاء انتسابهم إلى الله تعالى بما هو من شوائب الألوهية، وخص * (المقربون) * لأنهم كانوا يعبدونهم دون غيرهم، ورد هذا الجواب بأن هذا لا ينفي فوقية الثاني كما هو مقتضى علم المعاني؛ قيل: ولا ورود له لأنه يعلم من التقرير دفعه لأن المقصود بالذات أمر المسيح فلذا قدم، ولو سلم أنه لا ينفي الفوقية فهو لا يثبتها كما إذا قلت: ما فعل هذا زيد ولاعمرو، وهو يكفي لدفع حجة الخصم، وأما كون السباق والسياق يخالفه فليس بشيء لأن المجيب قال: إنه إدماج واستطراد، وأجيب أيضا على تقدير تسليم اختصاص الرد بالنصارى بأن الملائكة المقربون صيغة جمع تتناول مجموع الملائكة، فهذا العطف يقتضي كون مجموع الملائكة أفضل من المسيح، ولا يلزم أن يكون
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»