تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٩٧
لما أنهم آثمون بالتخلف لفرضه عليهم قبل هذا بسنين، وأصل التحريض إزالة الحرض وهو ما لا خير فيه ولا يعتد به، فالتفعيل للسلب والإزالة - كقذيته، وجلدته - ولم يذكر المحرض عليه لغاية ظهوره. * (عسى الله أن يكف بأس) * نكاية * (الذين كفروا) * ومنهم قريش وعسى من الله تعالى - كما قال الحسن وغيره - تحقيق، وقد فعل سبحانه ما وعد به، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واعد صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة من أصحابه رضي الله تعالى عنهم حتى أتى موسم بدر فكفاهم الله سبحانه بأس العدو ولم يوافقهم أبو سفيان، وألقى الله تعالى الرعب في قلبه، ولم يكن قتال يومئذ وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه سالمين * (والله أشد بأسا) * من الذين كفروا * (وأشد تنكيلا) * أي تعذيبا، وأصله التعذيب بالنكل وهو القيد فعمم، والمقصود من الجملة التهديد والتشجيع، وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة، وتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة، (وتذكير) الخبر لتأكيد التشديد [بم وقوله تعالى:
* (من يشفع شف‍اعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شف‍اعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شىء مقيتا) *.
* (من يشفع شف‍اعة حسنة يكن له نصيب) * أي حظ وافر * (منها) * أي من ثوابها، جملة مستأنفة سيقت لبيان أن له عليه الصلاة والسلام فيما أمر به من تحريض المؤمنين حظا موفورا من الثواب، وبه ترتبط الآية بما قبلها كما قال القاضي. وقال علي بن عيسى: إنه سبحانه لما قال: * (لا تكلف إلا نفسك) * (النساء: 84) مشيرا به إلى أنه عليه الصلاة والسلام غير مؤاخذ بفعل غيره كان مظنة لتوهم أنه كما لا يؤاخذ بفعل غيره لا يزيد عمله بعمل غيره أيضا فدفع ما عسى أن يتوهم بذلك، وليس بشيء كما لا يخفى، و - الشفاعة - هي التوسط بالقول في وصول الشخص ولو كان أعلى قدرا من الشفيع إلى منفعة من المنافع الدنيوية أو الأخروية، أو خلاصه عن مضرة ما كذلك من الشفع ضد الوتر كأن المشفوع له كان وترا فجعله الشفيع شفعا، ومنه الشفيع في الملك لأنه يضم ملك غيره إلى نفسه أو يضم نفسه إلى من يشتريه ويطلبه منه، و - الحسنة - منها ما كانت في أمر مشروع روعي بها حق مسلم ابتغاءا لوجه الله تعالى، ومنها الدعاء للمسلمين فإنه شفاعة معنى عند الله تعالى، روى مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال الملك: ولك مثل ذلك "، وفيه بيان لمقدار النصيب الموعود ولا أرى حسنا إطلاق الشفاعة على الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بل لا أكاد أسوغه، وإن كانت فيه منفعة له صلى الله عليه وسلم كما أن فيه منفعة لنا على الصحيح.
وتفسيرها بالدعاء - كما نقل عن الجبائي - أو بالصلح بين إثنين - كما روي الكلبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - لعله من باب التمثيل لا التخصيص، وكون التحريض الذي فعله صلى الله عليه وسلم من باب الشفاعة ظاهر فإن المؤمنين تخلصوا بذلك من مضرة التثبط وتعيير العدو، واحتمال الذل وفازوا بالأجر الجزيل المخبوء لهم يوم القيامة؛ وربحوا أموالا جسيمة بسبب ذلك، فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام لما وافى بجيشه بدرا ولم ير بها أحدا من العدو أقام ثماني ليال وكان معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا كثيرا، ومن الناس من فسر الشفاعة هنا بأن يصير الإنسان شفع صاحبه في طاعة أو معصية، والحسنة منها ما كان في طاعة، فالجملة مسوقة للترغيب في الجهاد والترهيب عن التخلف والتقاعد، وأمر الارتباط عليه ظاهر ولا بأس به غير أن الجمهور على خلافه.
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»