تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٦
الأعمال بالكلية وهو ما صرح به ابن عبد السلام والنووي، وقال الغزالي: إذا غلب الإخلاص فهو مثاب وإلا فلا، وقيل: هو مثاب غلب الإخلاص أم لا لكن على قدر الإخلاص، وفي دلالة الآية - على أن غير المخلص لا يستحق غير الحرمان - نظر لأنه سبحانه أثبت فيها للمخلص أجرا عظيما وهو لا ينافي أن يكون لغيره ما دونه، وكون العظمة بالنسبة إلى أمور الدنيا خلاف الظاهر..
* (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا) *.
* (ومن يشاقق الرسول) * أي يخالفه - من الشق فإن كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر، ولظهور الانفكاك بين الرسول - ومخالفه فك الإدغام هنا، وفي قوله سبحانه في الأنفال (13) * (ومن يشاقق الله ورسوله) * - رعاية لجانب المعطوف، ولم يفك في قوله تعالى في الحشر (4) * (ومن يشاق الله) *. وقال الخطيب: في حكمة الفك والإدغام أن أل في الاسم الكريم لازمة بخلافها في الرسول، واللزوم يقتضي الثقل فخفف بالإدغام فيما صحبته الجلالة بخلاف ما صحبه لفظ الرسول، وفي آية الأنفال صار المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد، وما ذكرناه أولى، والتعرض لعنوان الرسالة لإظهار كمال شناعة ما اجترءوا إليه من المشاقة والمخالفة، وتعليل الحكم الآتي بذلك، والآية نزلت كما قدمناه في سارق الدرع أو مودعها، وقيل: في قوم طعمة لما ارتدوا بعد أن أسلموا، وأيا ما كان فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيندرج فيه ذلك وغيره من المشاقين.
* (من بعد ما تبين له الهدى) * أي ظهر له الحق فيما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم أو فيما يدعيه عليه الصلاة والسلام بالوقوف على المعجزات الدالة على نبوته * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * أي غير ما هم مستمرون عليه من عقد وعمل فيعم الأصول والفروع والكل والبعض * (نوله ما تولى) * أي نجعله واليا لما تولاه من الضلال ويؤول إلى أنا نضله، وقيل: معناه (نخذله بأن) نخل بينه وبين ما اختاره لنفسه، وقيل: نكله في الآخرة إلى ما اتكل عليه وانتصر به في الدنيا من الأوثان * (ونصله جهنم) * أي ندخله إياها، وقد تقدم. وقرىء بفتح النون من صلاه * (وساءت مصيرا) * أي جهنم أو التولية.
واستدل الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه على حجية الإجماع بهذه الآية، فعن المزني أنه قال: كنت عند الشافعي يوما فجاءه شيخ عليه لباس صوف وبيده عصا فلما رآه ذا مهابة استوى جالسا وكان مستندا لأسطوانة وسوى ثيابه فقال له: ما الحجة في دين الله تعالى؟ قال: كتابه، قال: وماذا؟ قال: سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: من أين هذا الأخير أهو في كتاب الله تعالى؟ فتدبر ساعة ساكتا، فقال له الشيخ: أجلتك ثلاثة أيام بلياليهن فإن جئت بآية وإلا فاعتزل الناس فمكث ثلاثة أيام لا يخرج وخرج في اليوم الثالث بين الظهر والعصر وقد تغير لونه فجاءه الشيخ وسلم عليه وجلس، وقال: حاجتي، فقال: نعم أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له) * الخ لم يصله جهنم على خلاف المؤمنين إلا واتباعهم فرض، قال: صدقت وقام وذهب، وروي عنه أنه قال: قرأت القرآن في كل يوم وفي كل ليلة ثلاث مرات حتى ظفرت بها. ونقل الإمام عنه أنه سئل عن آية من كتاب الله تعالى تدل على أن الإجماع حجة فقرأ القرآن ثلثمائة مرة حتى وجد هذه الآية.
واعترض ذلك الراغب بأن سبيل المؤمنين الإيمان كما إذا قيل: اسلك سبيل الصائمين والمصلين أي في الصوم والصلاة، فلا دلالة في الآية على حجية الإجماع، ووجوب اتباع المؤمنين في غير الإيمان،
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»