تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٢٦
في إلام وعلام وحتى م بالألف ما لم يوقف على - م - بالهاء، ولكن السؤال كما علمت طابقه الجواب بقوله تعالى: * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) * وإلا فالظاهر في الجواب كنا في كذا، أو لم نكن في شيء، والجملة استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية سؤال الملائكة كأنه قيل: فماذا قال أولئك المتوفون في الجواب؟ فقيل: قالوا في جوابهم: كنا مستضعفين في أرض مكة بين ظهراني المشركين الأقرباء. والمراد أنهم اعتذروا عن تقصيرهم في إظهار الإسلام وإدخالهم الخلل فيه بالاستضعاف والعجز عن القيام بمواجب الدين بين أهل مكة فلذا قعدوا وناموا، أو تعللوا عن الخروج معهم؛ والانتظام في ذلك الجمع المكسر بأنهم كانوا مقهورين تحت أيديهم، وأنهم فعلوا ذلك كارهين، وعلى التقديرين لم تقبل الملائكة ذلك منهم كما يشير إليه قوله سبحانه: * (قالوا) * أي الملائكة * (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * أي إن عذركم عن ذلك التقصير بحلولكم بين أهل تلك الأرض أبرد من الزمهرير إذ يمكنكم حل عقدة هذا الأمر الذي أخل بدينكم بالرحيل إلى قطر آخر من الأرض تقدرون فيه على إقامة أمور الدين كما فعل من هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، أو إن تعللكم عن الخروج مع أعداء الله تعالى لما يغيظ رسوله صلى الله عليه وسلم بأنكم مقهورون بين أولئك الأقوام غير مقبول لأنكم بسبيل من الخلاص عن قهرهم متمكنون من المهاجرة عن مجاورتهم والخروج من تحت أيديهم. * (فأولئك) * الذي شرحت حالهم الفظيعة * (مأواهم) * أي مسكنهم في الآخرة * (جهنم) * لتركهم الفريضة المحتومة، فقد كانت الهجرة واجبة في صدر الإسلام، وعن السدي كان يقول: من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر، والأصح الأول أو لنفاقهم وكفرهم ونصرتهم أعداء الله تعالى على سيد أحبائه عليه الصلاة والسلام، وعدم التقييد بالتأييد ليس نصا في العصيان بما دون الكفر، وإنما النص التقييد بعدمه، واسم الإشارة مبتدأ أول، و * (مأواهم) * مبتدأ ثان، و * (جهنم) * خبر الثاني وهما خبر الأول، والرابط الضمير المجرور، والمجموع خبر إن، والفاء لتضمن اسمها معنى الشرط، وقوله سبحانه: * (قالوا فيم كنتم) * في موضع الحال من الملائكة، وقد معه مقدرة في المشهور، وجعله حالا - من الضمير المفعول بتقدير قد أولا، ولهم آخرا - بعيد، أو هو الخبر والعائد فيه محذوف أي لهم، والجملة المصدرة بالفاء معطوفة عليه مستنتجة منه ومما في (خبره)، ولا يصح جعل شيء من * (قالوا) * الثاني، والثالث خبرا لأنه جواب، ومراجعة - فمن قال: لو جعل * (قالوا) *: الثاني خبرا لم يحتج إلى تقدير عائد فقد - وهم، وقيل: الخبر محذوف تقديره هلكوا ونحوه، و * (تهاجروا) * منصوب في جواب الاستفهام وقوله تعالى: * (وساءت) * من باب بئس أي بئست * (مصيرا) * والمخصوص بالذم مقدر أي مصيرهم أو جهنم.
واستدل بعضهم بالآية على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه، وهو مذهب الإمام مالك، ونقل ابن العربي وجوب الهجرة من البلاد الوبيئة أيضا، وفي " كتاب الناسخ والمنسوخ " أنها كانت فرضا في صدر الإسلام فنسخت وبقي ندبها، وأخرج الثعلبي من حديث الحسن مرسلا " من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم " وقد قدمنا لك ما ينفعك هنا فتذكر..
* (إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) *.
* (إلا المستضعفين) * استثناء منقطع (لأن الموصول وضمائره)، والإشارة
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»