تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٢١
يستفاد منه الوعيد أي أنه سبحانه لم يزل ولا يزال بكل ما تعملونه من الأعمال الظاهرة والخفية وبكيفياتها، ويدخل في ذلك التثبيت وتركه دخولا أوليا مطلع أتم اطلاع فيجازيكم بحسب ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والجملة تعليل بطريق الاستئناف، وقرىء بفتح * (أن) * على أنه معمول - لتبينوا - أو على حذف لام التعليل.
* (لا يستوى الق‍اعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمج‍اهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المج‍اهدين بأموالهم وأنفسهم على الق‍اعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المج‍اهدين على الق‍اعدين أجرا عظيما) *.
* (لا يستوي القاعدون) * شروع في الحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه وليرغبوا عما يوجب خللا فيه، والمراد بالقاعدين الذين أذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاءا بغيرهم، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - هم القاعدون - عن بدر؛ وهو الظاهر الموافق للتاريخ على ما قيل، وقال أبو حمزة: إنهم المتخلفون عن تبوك، وروي أن الآية نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف والربيع وهلال بن أمية من بني واقف حين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة. * (من المؤمنين) * حال من القاعدين، وجوز أن يكون من الضمير المستتر فيه، وفائدة ذلك الإيذان من أول الأمر بأن القعود عن الجهاد لا يقعد بهم عن الإيمان، والإشعار بعلة استحقاقهم لما سيأتي من الحسنى أي لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد حال كونهم كائنين من المؤمنين * (غير أولي الضرر) * بالرفع على أنه صفة - للقاعدون - وهو إن كان معرفة، و * (غير) * لا تتعرف في مثل هذا الموضع لكنه غير مقصود منه - قاعدون - بعينهم بل الجنس، فأشبه الجنس فصح وصفه بها، وزعم عصام الدين إن * (غير) * هنا معرفة، و * (غير أولي الضرر) * بمعنى لا ضرر له. ونقل عن الرضي - وبه ضعف ما تقدم - أن المعرف باللام المبهم وإن كان في حكم النكرة لكنه لا يوصف بما توصف به النكرة، بل يتعين أن تكون صفته جملة فعلية فعلها مضارع كما في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني * فأصد ثم أقول ما يعنيني واستحسن بعضهم جعله بدلا من * (القاعدون) * لأن أل فيه موصولة، والمعروف إرادة الجنس في المعرف بالألف واللام، وبينهما فرق، وجوز الزجاج الرفع على الاستثناء، وتبعه الواحدي فيه، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على أنه حال، وهو نكرة لا معرفة، أو على الاستثناء ظهر إعراب ما بعده عليه، وقرىء بالجر على أنه صفة للمؤمنين، أو بدل منه وكون النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة أكثري لاكلي، والضرر المرض والعلل التي لا سبيل معها إلى الجهاد، وفي معناها - أو هو داخل فيها - العجز عن الأهبة، وقد نزلت الآية وليس فيها * (غير أولي الضرر) * ثم نزل بعد، فقد روى مالك عن الزهري عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: " كنت أكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في كتف - لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون - وابن أم مكتوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أنزل الله تعالى في فضل الجهاد ما أنزل وأنا رجل ضرير فهل لي من رخصة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أدري قال زيد: وقلمي رطب ما جف حتى غشي النبي صلى الله عليه وسلم الوحي ووقع فخذه على فخذي حتى كادت تدق من ثقل الوحي، ثم جلى عنه، فقال لي: أكتب يا زيد * (غير أولي الضرر) * ".
* (والمج‍اهدون في سبيل الله) * في منهاج دينه * (بأموالهم) * إنفاقا فيما يوهن كيد الأعداء * (وأنفسهم) * حملا لها على الكفاح عند اللقاء، وكلا الجارين متعلق - بالمجاهدون - وأوردوا بهذا العنوان دون عنوان الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه، وقيده بما قيده مدحا لهم وإشعارا بعلة استحقاقهم لعلو المرتبة مع ما فيه من حسن موقع السبيل في مقابلة القعود كما قيل، وقيل: إنما أوردوا بعنوان الجهاد
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»