تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٢٧
إليه بأولئك لمن توفته الملائكة ظالما لنفسه، فلم يندرج فيهم المستضعفون المذكورون، وقيل: إنه متصل والمستثنى منه * (فأولئك مأواهم جهنم) * (النساء: 97) وليس بشيء أي إلا الذين عجزوا عن الهجرة وضعفوا * (من الرجال) * كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد * (والنساء) * كأم الفضل لبابة بنت الحرث أم عبد الله بن عباس وغيرها * (والولدان) * كعبد الله المذكور وغيره رضي الله تعالى عنهم، والجار حال من المستضعفين، أو من الضمير المستتر فيه أي كائنين من هؤلاء، وذكر الولدان للقصد إلى المبالغة في وجوب الهجرة والأمر بها حتى كأنها مما كلف بها الصغار، أو يقال: إن تكليفهم عبارة عن تكليف أوليائهم بإخراجهم من ديار الكفر، وأن المراد بهم المراهقون، أو من قرب عهده بالصغر مجازا كما مر في اليتامى أو أن المراد التسوية بين هؤلاء في عدم الإثم والتكليف، أو أن العجز ينبغي أن يكون كعجز الولدان، أو المراد بهم العبيد والإماء.
* (لا يستطيعون حيلة) * أي لا يجدون أسباب الهجرة ومباديها * (ولا يهتدون سبيلا) * أي ولا يعرفون طريق الموضع المهاجر إليه بأنفسهم أو بدليل، والجملة صفة لما بعد (من)، أو للمستضعفين لأن المراد به الجنس سواء كانت أل موصولة أو حرف تعريف وهو في المعنى كالنكرة، أو حال منه، أو من الضمير المستتر فيه، وجوز أن تكون مستأنفة مبينة لمعنى الاستضعاف المراد هنا * (فأول‍ائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) *.
* (فأولائك) * أي المستضعفون * (عسى الله أن يعفو عنهم) * فيه إيذان بأن ترك الهجرة أمر خطير حتى أن المضطر الذي تحقق عدم وجوبها عليه ينبغي أن يعد تركها ذنبا، ولا يأمن، ويترصد الفرصة ويعلق قلبه بها. * (وكان الله عفوا غفورا) * تذييل مقرر لما قبله بأتم وجه..
* (ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الارض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مه‍اجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) *.
* (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا) * ترغيب في المهاجرة وتأنيس لها، والمراد من المراغم المتحول والمهاجر - كما روي ذلك عن ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم فهو اسم مكان، وعبر عنه بذلك تأكيدا للترغيب لما فيه من الأشعار بكون ذلك المتحول الذي يجده يصل فيه المهاجر إلى ما يكون سببا لرغم أنف قومه الذين هاجرهم، وعن مجاهد: إن المعنى يجد فيها متزحزحا عما يكره، وقيل: متسعا مما كان فيه من ضيق المشركين، وقيل: طريقا يراغم بسلوكه قومه - أي يفارقهم على رغم أنوفهم والرغم الذل والهوان، وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب، وقرىء مرغما * (وسعة) * أي من الرزق وعليه الجمهور، وعن مالك سعة من البلاد.
* (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت) * أي يحل به قبل أن يصل إلى المقصد ويحط رحال التسيار، بل وإن كان ذلك خارج بابه كما يشعر به إيثار الخروج من بيته على المهاجرة، وثم لا تأبى ذلك كما ستعرفه قريبا إن شاء الله تعالى، وهو معطوف على فعل الشرط، وقرىء * (يدركه) * بالرفع، وخرجه ابن جني كما قال السمين على أنه فعل مضارع مرفوع للتجرد من الناصب والجازم، والموت فاعله، والجملة خبر لمبتدأ محذوف أي - ثم هو يدركه الموت - وتكون الجملة الإسمية معطوفة على الفعلية الشرطية وعلى ذلك حمل يونس قول الأعشى:
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»