تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٣٧
صلى الله عليه وسلم غزا محاربا وبني أنمار فهزمهم الله تعالى وأحرزهم الذراري والمال، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولا يرون من العدو واحدا فوضعوا أسلحتهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء ترش فحال الوادي بينه صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه فجلس في ظل سمرة فبصر به غورث بن الحرث المحاربي فقال: قتلني الله تعالى إن لم أقتله وانحدر من الجبل؛ ومعه السيف ولم يشعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سله من غمده، فقال: يا محمد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله عز وجل، ثم قال: اللهم اكفني غورث بن الحرث بما شئت فانكب عدو الله تعالى لوجهه وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ سيفه فقال: يا غورث من يمنعك مني الآن؟ فقال: لا أحد قال صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله؟ قال: لا، ولكني أعهد إليك أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوا فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه فقال له غورث: لأنت خير مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحق بذلك فرجع غورث إلى أصحابه فقالوا: يا غورث لقد رأيناك قائما على رأسه بالسيف فما منعك منه؟ قال: الله عز وجل أهويت له بالسيف لأضربه فما أدري من لزجني بين كتفي فخررت لوجهي وخر سيفي وسبقني إليه محمد عليه الصلاة والسلام فأخذه وأتم لهم القصة فآمن بعضهم ولم يلبث الوادي أن سكن، فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم الآية.
* (إن الله أعد للك‍افرين عذابا مهينا) * تعليل للأمر بأخذ الحذر أي أعد لهم عذابا مذلا وهو عذاب المغلوبية لكم ونصرتكم عليهم فاهتموا بأموركم ولا تهملوا مباشرة الأسباب كي يعذبهم بأيديكم، وقيل: لما كان الأمر بالحذر من العدو موهما لغلبته واعتزازه نفى ذلك الإيهام بالوعد بالنصر وخذلان العدو لتقوى قلوب المأمورين ويعلموا أن التحرز في نفسه عبادة كما أن النهي عن إلقاء النفس في التهلكة لذلك لا للمنع عن الإقدام على الحرب، وقيل: لا يبعد أن يراد بالعذاب المهين شرع صلاة الخوف فيكون لختم الآية به مناسبة تامة، ولا يخفى بعده..
* (فإذا قضيتم الصلواة فاذكروا الله قي‍اما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلواة إن الصلواة كانت على المؤمنين كت‍ابا موقوتا) *.
* (فإذا قضيتم الصلواة) * أي فإذا أديتم صلاة الخوف على الوجه المبين وفرغتم منها. * (فاذكروا الله قي‍اما وقعودا وعلى جنوبكم) * أي فداوموا على ذكره سبحانه في جميع الأحوال حتى في حال (المسابقة) والمقارعة والمراماة، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال عقب تفسيرها: لم يعذر الله تعالى أحدا في ترك ذكره إلا المغلوب على عقله، وقيل: المعنى وإذا أردتم أداء الصلاة واشتد الخوف أو التحم القتال فصلوا كيفما كان، وهو الموافق لمذهب الشافعي من وجوب الصلاة حال المحاربة وعدم جواز تأخيرها عن الوقت، ويعذر المصلي حينئذ في ترك القبلة لحاجة القتال لا لنحو جماح دابة وطال الفصل، وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح لا الصياح أو النطق بدونه ولو دعت الحاجة إليه كتنبيه من خشي وقوع مهلك به أو زجر الخيل أو الإعلام بأنه فلان المشهور بالشجاعة لندرة الحاجة ولا قضاء بعد الأمن فيه، نعم لو صلوا كذلك لسواد ظنوه ولو بإخبار عدل عدوا فبان أن لا عدو وأن بينهم وبينه ما يمنع وصوله إليهم كخندق، أو أن بقربهم عرفا حصنا يمكنهم التحصن به من غير أن يحاصرهم فيه قضوا في الأظهر، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك في غاية البعد * (فإذا اطمأننتم) * أي أقمتم - كما قال قتادة ومجاهد - وهو راجع إلى قوله تعالى: * (وإذا ضربتم
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»