تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١١٥
وقيل: التوبة هنا بمعنى التخفيف أي شرع لكم هذا تخفيفا عليكم، وقيل: إنه منصوب على الحالية من الضمير المجرور في - عليه - بحذف المضاف أي فعليه صيام شهرين حال كونه ذا توبة، وقيل: على المصدرية أي تاب عليكم توبة، وقوله سبحانه: * (من الله) * متعلق بمحذوف وقع صفة للنكرة أي توبة كائنة من الله تعالى. * (وكان الله عليما) * بجميع الأشياء التي من جملتها حال هذا القاتل * (حكيما) * في كل ما شرع وقضى من الأحكام التي من جملتها ما شرع وقضى في شأنه..
* (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) *.
* (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) * بأن يقصد قتله بما يفرق الأجزاء، أو بما لا يطيقه ألبتة عالما بإيمانه، وهو نصب على الحال من فاعل * (يقتل) *. وروي عن الكسائي أنه سكن التاء وكأنه فر من توالي الحركات * (فجزاؤه) * الذي يستحقه بجنايته * (جهنم خالدا فيها) * أي ماكثا إلى الأبد، أو مكثا طويلا إلى حيث شاء الله تعالى، وهو حال مقدرة من فاعل فعل مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل: فجزاؤه أن يدخل جهنم خالدا. وقال أبو البقاء: هو حال من الضمير المرفوع أو المنصوب في يجزاها المقدر، وقيل: هو المنصوب لا غير ويقدر جازاه، وأيد بأنه أنسب بعطف ما بعده عليه لموافقته له صيغة، ومنع جعله حالا من الضمير المجرور في * (فجزاؤه) * لوجهين، أحدهما: أنه حال من المضاف إليه، وثانيهما: أنه فصل بين الحال وذيها بخبر المبتدأ، وقوله سبحانه: * (وغضب الله عليه) * عطف على مقدر تدل عليه الشرطية دلالة واضحة كأنه قيل: بطريق الاستئناف تقريرا لمضمونها حكم الله تعالى بأن جزاءه ذلك - وغضب عليه - أي انتقم منه على ما عليه الأشاعرة * (ولعنه) * أي أبعده عن رحمته بجعل جزائه ما ذكر، وقيل: هو وما بعده معطوف على الخبر بتقدير أن وحمل الماضي على معنى المستقبل أي فجزاؤه جهنم وأن يغضب الله تعالى عليه الخ * (وأعد له عذابا عظيما) * لا يقادر قدره.
والآية - كما أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير - نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني أنه أسلم هو وأخوه هشام وكانا بالمدينة فوجد مقيس أخاه هشاما ذات يوم قتيلا في الأنصار في بني النجار فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من قريش من بني فهر - ومعه مقيس إلى بني النجار ومنازلهم يومئذ بقباء - أن ادفعوا إلى مقيس قاتل أخيه إن علمتم ذلك وإلا فادفعوا إليه الدية فلما جاءهم الرسول قالوا: السمع والطاعة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم والله تعالى ما نعلم له قاتلا ولكن نؤدي الدية فدفعوا إلى مقيس مائة من الإبل دية أخيه، فلما انصرف مقيس والفهري راجعين من قباء إلى المدينة، وبينهما ساعة عمد مقيس إلى الفهري رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله وارتد عن الإسلام، وفي رواية أنه ضرب به الأرض وفضخ رأسه بين حجرين وركب جملا من الدية وساق معه البقية ولحق بمكة، وهو يقول في شعر له: قتلت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار أرباب (قارع) وأدركت ثأري واضجعت موسدا * وكنت إلى الأوثان أول راجع فنزلت هذه الآية مشتملة على إبراق وإرعاد وتهديد وإبعاد، وقد تأيدت بغير ما خبر ورد عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أحمد والنسائي عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله تعالى أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا، وأخرج ابن المنذر
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»