تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٢٣
ما ذكر مع المجاهدين، فإن الإيتان به كان عن محض الفضل والامتنان من غير سابقة سؤال فلما فتحت باب الإسقاط اعتبر فيه التدريج فرقا بين المقامين، وقوله تعالى: * (أجرا عظيما) * مصدر مؤكد - لفضل - وهو وإن كان بمعنى أعطى الفضل وهو أعم من الأجر لأنه ما يكون في مقابلة أمر لكن أريد به هنا الأخص لأنه في مقابلة الجهاد، ويجوز أن يبقى على معناه، و * (أجرا) * مفعول به ولتضمنه معنى الإعطاء نصب المفعول أي أعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما، وقيل: هو منصوب بنزع الخافض أي فضلهم بأجر. [بم وجعله - صفة لقوله تعالى:
* (درج‍ات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما) *.
* (درج‍ات) * قدم عليها فانتصب على الحال، ولكونه مصدرا في الأصل يستوي فيه الواحد وغيره جاز نعت الجمع به - بعيد، وجوز في * (درجات) * أن يكون بدلا من * (أجرا) * (النساء: 95) بدل الكل مبينا لكمية التفضيل، وأن يكون حالا أي ذوي درجات، وأن يكون واقعا موقع الظرف أي في درجات، وقوله سبحانه: * (منه) * متعلق بمحذوف وقع صفة - لدرجات - دالة على فخامتها وعلو شأنها، أخرج عبد بن حميد عن ابن محيرز أنه قال: هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رضي بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد عليه الصلاة والسلام رسولا وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله فأعادها عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: وأخرى يرفع الله تعالى بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله تعالى "، وعن السدي أنها سبعمائة، وجوز أن يكون انتصاب درجات على المصدرية كما في قولك: ضربته أسواطا أي ضربات، كأنه قيل: فضلهم تفضيلات، وجمع القلة هنا قائم مقام جمع الكثرة، وقيل: إنه على بابه. والمراد بالدرجات ما ذكر في آية براءة * (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح) * إلى قوله سبحانه: * (ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) * (التوبة: 120، 121) ونسب إلى عبد الله بن زيد.
وقوله عز شأنه: * (ومغفرة) * عطف على * (درجات) * الواقع بدلا من * (أجرا) * (النساء: 95) بدل الكل إلا أن هذا بدل البعض منه لأن بعض الأجر ليس من باب المغفرة، أي ومغفرة عظيمة لما يفرط منهم من الذنوب التي لا يكفرها سائر الحسنات التي يأتي بها القاعدون، (فحينئذ) تعد من خصائصهم، وقوله تعالى: * (ورحمة) * عطف عليه أيضا وهو بدل الكل من * (أجرا) *، وجوز أن يكون انتصابهما بفعل مقدر أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة. هذا ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبىء عن المغايرة، وتقييده - تارة بدرجة وأخرى بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه حسبما يستدعيه الظاهر إما لتنزيل الاختلاف العنواني بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتي تمهيدا لسلوك طريق الإبهام ثم التفسير روما لمزيد التحقيق والتقرير المؤذن بأن فضل المجاهدين بمحل لا تستطيع طير الأفكار الخضر أن تصل إليه، ولما كان هذا مما يكاد أن يتوهم منه حرمان القاعدين اعتنى سبحانه بدفع ذلك بقوله عز قائلا: * (وكلا وعد الله الحسنى) * (النساء: 95) ثم أراد جل شأنه تفسير ما أفاده التنكير بطريق الإبهام بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة، فقال ما قال وسد باب الاحتمال.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»