تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٢٩
من المستضعفين، وإني لأهتدي الطريق، وإني لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة وكان شيخا كبيرا فمات بالتنعيم ولما أدركه الموت أخذ يصفق يمينه على شماله؛ ويقول: اللهم هذه لك وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم أبايعك على ما بايع عليه رسولك، ولما بلغ خبر موته الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا: ليته مات بالمدينة فنزلت، وروى الشعبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في أكتم بن صيفي لما أسلم ومات وهو مهاجر، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير أنها نزلت في خالد بن حزام وقد كان هاجر إلى الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات، وروي غير ذلك، وعلى العلات فالمراد عموم اللفظ لا خصوص السبب، وقد ذكر أيضا غير واحد أن من سار لأمر فيه ثواب كطلب علم وحج وكسب حلال وزيارة صديق وصالح ومات قبل الوصول إلى المقصد فحكمه كذلك، وقد أخرج أبو يعلى والبيهقي عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا في سبيل الله تعالى فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة "، واحتج أهل المدينة بالآية على أن الغازي إذا مات في الطريق وجب سهمه في الغنيمة، والصحيح ثبوت الأجر الأخروي فقط * (وكان الله غفورا) * مبالغا في المغفرة فيغفر له ما فرط منه من الذنوب التي من جملتها القعود عن الهجرة إلى وقت الخروج * (رحيما) * مبالغا في الرحمة فيرحمه سبحانه بإكمال ثواب هجرته ونيته.
ومن باب الإشارة في بعض ما تقدم من الآيات: * (وما كان لمؤمن) * أي وما ينبغي لمؤمن الروح * (أن يقتل مؤمنا) * وهو مؤمن القلب * (إلا) * أن يكون قتلا * (خطأ) *، وذلك إنما يكون إذا خلصت الروح من حجب الصفات البشرية فإذا أرادت أن تتوجه إلى النفس أنوارها لتميتها وقع تجليها على القلب فخر صعقا من ذلك التجلي ودك جبل النفس دكا فكان قتله خطأ لأنه لم يكن مقصودا * (ومن قتل) * قلبا * (مؤمنا) * خطأ * (فتحرير رقبة مؤمنة) * وهي رقبة السر الروحاني وتحريرها إخراجها عن رق المخلوقات * (ودية مسلمة إلى أهله) * تسلمها العاقلة وهي الألطاف الإلهية إلى القوى الروحانية فيكون لكل منهما من حظ الأخلاق الربانية * (إلا أن يصدقوا) * وذلك وقت غنائهم بالفناء بالله تعالى * (فإن كان) * المقتول بالتجلي * (من قوم عدو لكم) * بأن كان من قوى النفس الأمارة * (وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) * وهي رقبة القلب فيطلقه من وثاق رق حب الدنيا والميل إليها، ولا دية في هذه الصورة لأهل القتيل * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) * بأن كان من قوى النفس القابلة للأحكام الشرعية ظاهرا والمهادنة للقلب * (فدية مسلمة) * واجبة على عاقلة الرحمة * (إلى أهله) * أي أهل تلك النفس من الصفات الأخر * (وتحرير رقبة مؤمنة) * وهي رقبة الروح وتحريرها إفناؤها وإطلاقها عن سائر القيود * (فمن لم يجد) * رقبة كذلك بأن كانت روحه محررة قبل * (فصيام شهرين متتابعين) * (النساء: 92) أي فعليه الإمساك عن العاديات وترك المألوفات ستين يوما، وهي مقدار مدة الميقات الموسوي ونصفها رجاء أن يحصل له البقاء بعد الفناء * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * (النساء: 93) إشارة إلى أن النفس إذا قتلت القلب واستولت عليه بقيت معذبة في نيران الطبيعة مبعدة عن الرحمة مظهرا لغضب الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله) * لإرشاد عباده * (فتبينوا) * حال المريد في الرد والقبول * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»