إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا * (أو تنزلون فإنا معشر نزل) أي أو أنتم تنزلون وتكون الاسمية حينئذ كما قال بعض المحققين: في محل جزم وإن لم يصح وقوعها شرطا لأنهم يتسامحون في التابع، وإنما قدروا المبتدأ ليصح رفعه مع العطف على الشرط المضارع، وقال عصام الملة: ينبغي أن يعلم أنه على تقدير المبتدأ يجب جعل * (من) * موصولة لأن الشرط لا يكون جملة اسمية ويكون * (يخرج) * أيضا مرفوعا، ويرد عليه حينئذ أنه لا حاجة إلى تقدير المبتدأ، فالأولى أن الرفع بناءا على توهم رفع * (يخرج) * لأن المقام من مظان الموصول، ولا يخفى أنه خبط وغفلة عما ذكروا، وقيل: إن ضم الكاف منقول من الهاء كأنه أراد أن يقف عليها، ثم نقل حركتها إلى الكاف كقوله: عجبت والدهر كثير عجبه * من عنزي يسبني لم أضربه وهو كما في " الكشف " ضعيف جدا لإجراء الوصل مجرى الوقف والنقل أيضا، ثم تحريك الهاء بعد النقل بالضم وإجراء الضمير المتصل مجرى الجزء من الكلمة؛ والبيت ليس فيه إلا النقل وإجراء الضمير مجرى الجزء، وقرأ الحسن * (يدركه) * بالنصب، وخرجه غير واحد على أنه بإضمار إن نظير ما أنشده سيبويه من قوله: سأترك منزلي لبني تميم * وألحق بالحجاز فأستريحا ووجهه فيه أن سأترك مستقبل مطلوب فجرى مجرى الأمر ونحوه، والآية - لكون المقصود منها الحث على الخروج وتقدم الشرط الذي هو شديد الشبه بغير الموجب - كانت أقوى من البيت، وذكر بعض المحققين أن النصب في الآية جوزه الكوفيون لما أن الفعل الواقع بين الشرط والجزاء يجوز فيه الرفع والنصب والجزم عندهم إذا وقع بعد الواو والفاء كقوله: ومن لا يقدم رجله مطمئنة * فيثبتها في مستوى القاع يزلق وقاسوا عليهما ثم، فليس ما ذكر في البيت نظير الآية، وقيل: من عطف المصدر المتوهم على المصدر المتوهم مثل - أكرمني وأكرمك - أي ليكن منك إكرام ومني، والمعنى من يكن منه خروج من بيته وإدراك الموت له.
* (فقد وقع أجره على الله) * أي وجب بمقتضى وعده وفضله وهو جواب الشرط، وفي مقارنة هذا الشرط مع الشرط السابق الدلالة على أن المهاجر له إحدى الحسنيين إما أن يرغم أنف أعداء الله ويذلهم بسبب مفارقته لهم واتصالهم بالخير والسعة، وإما أن يدركه الموت ويصل إلى السعادة الحقيقية والنعيم الدائم، وفي الآية ما لا يخفى من المبالغة في الترغيب فقد قيل: كان مقتضى الظاهر - ومن يهاجر إلى الله ورسوله ويمت يثبه - إلا أنه اختير * (ومن يخرج مهاجرا من بيته) * على - ومن يهاجر - لما أشرنا إليه آنفا، ووضع * (يدركه الموت) * موضع - يمت - إشعارا بمزيد الرضا من الله تعالى، وأن الموت كالهدية منه سبحانه له لأنه سبب للوصول إلى النعيم المقيم الذي لا ينال إلا بالموت، وجيء - بثم - بدل الواو تتميما لهذه الدقيقة، وأن مرتبة الخروج دون هذه المرتبة، وأقيم * (فقد وقع أجره على الله) * مقام - يثبه - لما أنه مؤذن باللزوم والثبوت، وأن الأجر عظيم لا يقادر قدره ولا يكتنه كنهه لأنه على الذات الأقدس المسمى بذلك الاسم الجامع؛ وعن الزمخشري: إن فائدة * (ثم يدركه) * بيان أن الأجر إنما يستقر إذا لم يحبط العمل الموت، واختلف فيمن نزلت؛ فأخرج ابن جرير عن ابن جبير أنها نزلت في جندب بن ضمرة، وكان بلغه قوله تعالى: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * (النساء: 97) الآية وهو بمكة حين بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسلميها فقال لبنيه: احملوني فإني لست