عن أبي الدرداء مثله، وأخرج ابن عدي والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أعان على دم امرىء مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله تعالى "، وأخرجا عن البراء بن عازب " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لزوال الدنيا وما فيها أهون عند الله تعالى من قتل مؤمن ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله تعالى النار "، وفي رواية الأصبهاني عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: " لو أن الثقلين اجتمعوا على قتل مؤمن لأكبهم الله تعالى على مناخرهم في النار، وإن الله تعالى حرم الجنة على القاتل والآمر "، واستدل بذلك ونحوه من القوارع المعتزلة على خلود من قتل مؤمنا متعمدا في النار، وأجاب بعض المحققين بأن ذلك خارج مخرج التغليظ في الزجر لا سيما الآية لاقتضاء النظم له فيها كقوله تعالى: * (ومن كفر) * (آل عمران: 97) في آية الحج، وقول صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الأسود - كما في " الصحيحين " حين سأله عن قتل من أسلم من الكفار بعد أن قطع يده في الحرب - " لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول الكلمة التي قال "، وعلى ذلك يحمل ما أخرجه عبد بن حميد عن الحسن قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نازلت ربي في قاتل المؤمن أن يجعل له توبة فأبى علي " وما أخرجه عن سعيد بن عينا أنه قال: " كنت جالسا بجنب أبي هريرة رضي الله تعالى عنه إذ أتاه رجل فسأله عن قاتل المؤمن هل له من توبة؟ فقال: لا والذي لا إله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ".
وشاع القول بنفي التوبة عن ابن عباس، وأخرجه غير واحد عنه وهو محمول على ما ذكرنا، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن حميد والنحاس عن سعيد بن عبيدة أن ابن عباس كان يقول: لمن قتل مؤمنا توبة فجاءه رجل فسأله ألمن قتل مؤمنا توبة؟ قال: لا إلا النار فلما قام الرجل قال له جلساؤه: ما كنت هكذا تفتينا كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة فما شأن هذا اليوم؟! قال: إني أظنه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك، وكان هذا أيضا شأن غيره من الأكابر فقد قال سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له فإذا ابتلى رجل قالوا له: تب، وأجاب آخرون بأن المراد من الخلود في الآية المكث الطويل لا الدوام لتظاهر النصوص الناطقة بأن عصاة المؤمنين لا يدوم عذابهم، وأخرج ابن المنذر عن عون بن عبد الله أنه قال: (فجزاؤه جهنم إن هو جازاه)، وروي مثله بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: وهذا كما يقول الإنسان لمن يزجره عن أمر: إن فعلته فجزاؤك القتل والضرب، ثم إن لم يجازه لم يكن ذلك منه كذبا، والأصل في هذا على ما قال الواحدي: إن الله عز وجل يجوز أن يخلف الوعيد وإن امتنع أن يخلف الوعد، وبهذا وردت السنة ففي حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وعده الله تعالى على عمله ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمله عقابا فهو بالخيار " " ومن أدعية الأئمة الصادقين رضي الله تعالى عنهم: يا من إذا وعد وفا، وإذا توعد عفا "، وقد افتخرت العرب بخلف الوعيد، ولم تعده نقصا كما يدل عليه قوله:
وإني إذا أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي واعترض بأن الوعيد قسم من أقسام الخبر، وإذا جاز الخلف فيه وهو كذب لإظهار الكرم، فلم لا يجوز في القصص والأخبار لغرض من الأغراض، وفتح ذلك الباب يفضي إلى الطعن في الشرائع كلها.