تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١١٢
يكفوا، وإذا عطف * (ويكفوا) * على النفي يلزم اجتماع عدم الكف والكف، وكلام الله تعالى منزه عنه، وكذا لا يصح كون قوله سبحانه: * (ويكفوا) * جملة حالية أو استئنافية بيانية أو نحوية لاستلزام كل منهما التناقض مع أنه يقتضي ثبوت النون في * (يكفوا) * على ما هو المعهود في مثله، وأبو حيان جعل الجزاء في الأول: مرتبا على شيئين وفي الثانية: على ثلاثة، والسر في ذلك الإشارة إلى مزيد خباثة هؤلاء الآخرين، وكلام العلامة البيضاوي - بيض الله تعالى غرة أحواله - في هذا المقام لا يخلو عن تعقيد، وربما لا يوجد له محمل صحيح إلا بعد عناية وتكلف فتأمل جدا * (وأولئكم) * الموصوفون بما ذكر من الصفات الشنيعة. * (جعلنا لكم عليهم سلط‍انا مبينا) * أي حجة واضحة فيما أمرناكم به في حقهم لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وخباثتهم، أو تسلطا لا خفاء فيه من حيث أذنا لكم في أخذهم وقتلهم..
* (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلىأهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) *.
* (وما كان لمؤمن) * شروع في بيان حال المؤمنين بعد بيان حال الكافرين والمنافقين، وقيل: لما رغب سبحانه في قتال الكفار ذكر إثره ما يتعلق بالمحاربة في الجملة أي ما صح له وليس من شأنه * (أن يقتل) * بغير حق * (مؤمنا) * فإن الإيمان زاجر عن ذلك * (إلا خطئا) * فإنه مما لا يكاد يحترز عنه بالكلية وقلما يخلو المقاتل عنه، وانتصابه إما على أنه حال أي ما كان له أن يقتل مؤمنا في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ، أو على أنه مفعول له أي ما كان له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ، أو على أنه صفة للمصدر أي إلا قتلا خطأ فالاستثناء في جميع ذلك مفرغ وهو استثناء متصل على ما يفهمه كلام بعض المحققين، ولا يلزم جواز القتل خطأ شرعا حيث كان المعنى أن من شأن المؤمن أن لا يقتل إلا خطأ. وقال بعضهم: الإستثناء في الآية منقطع أي لكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما يذكر، وقيل: إلا بمعنى ولا، والتقدير وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمدا ولا خطأ، وقيل: الإستثناء من مؤمن أي إلا خاطئا، والمختار مع الفصل الكثير في مثل ذلك النصب، والخطأ ما لا يقارنه القصد إلى الفعل أو الشخص، أو لا يقصد به زهوق الروح غالبا، أو لا يقصد به محظور كرمي مسلم في صف الكفار مع الجهل بإسلامه، وقرىء - خطاء - بالمد - وخطا - بوزن عمى بتخفيف الهمزة، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي أن عياش بن أبي ربيعة المخزومي - وكان أخا أبي جهل والحرث بن هشام لأمهما - أسلم وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحب ولد أمه إليها فشق ذلك عليها فحلفت أن لا يظلها سقف بيت حتى تراه، فأقبل أبو جهل والحرث حتى قدما المدينة فأخبرا عياشا بما لقيت أمه، وسألاه أن يرجع معهما فتنظر إليه ولا يمنعاه أن يرجع وأعطياه - موثقا أن يخليا سبيله بعد أن تراه أمه فانطلق معهما حتى إذا خرجا من المدينة عمدا إليه فشداه وثاقا وجلداه نحوا من مائة جلدة، وأعانهما على ذلك رجل من بني كنانة فحلف عياش ليقتلن الكناني إن قدر عليه فقدما به مكة فلم يزل محبوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فخرج عياش فلقي الكناني وقد أسلم، وعياش لا يعلم بإسلامه فضربه حتى قتله فأخبر بعد بذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فنزلت، وروي مثل ذلك عن مجاهد وعكرمة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد " أنها نزلت في رجل قتله أبو الدرداء كان في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له فوجد رجلا من القوم في غنم له فحمل عليه بالسيف، فقال: لا إله إلا الله فبدر فضربه،
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»