تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١١١
بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم * (فلقاتلوكم) * عقيب ذلك ولم يكفوا عنكم، واللام جوابية لعطفه على الجواب، ولا حاجة لتقدير لو، وسماها مكي وأبو البقاء لام المجازاة والازدواج، وهي تسمية غريبة، وفي الإعادة إشارة إلى أنه جواب مستقل والمقصود من ذلك الامتنان على المؤمنين، وقرىء (فلقتلوكم). بالتخفيف والتشديد * (فإن اعتزلوكم) * ولم يتعرضوا لكم * (فلم يقاتلوكم) * مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة الله تعالى * (وألقوا إليكم السلم) * أي الصلح فانقادوا واستسلموا، وكان إلقاء السلم استعارة لأن من سلم شيئا ألقاه وطرحه عند المسلم له، وقرىء بسكون اللام مع فتح السين وكسرها * (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) * فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم، وفي - نفي جعل السبيل - مبالغة في عدم التعرض لهم لأن من لا يمر بشيء كيف يتعرض له. وهذه الآيات منسوخة الحكم بآية براءة * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (التوبة: 5) وقد روي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره..
* (ستجدون ءاخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأول‍ائكم جعلنا لكم عليهم سلط‍انا مبينا) *.
* (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) * هم أناس كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم ويأمنوا قومهم فأبى الله تعالى ذلك عليهم - قاله ابن عباس ومجاهد - وقيل: الآية في حق المنافقين * (كل ما ردوا إلى الفتنة) * أي دعوا إلى الشرك - كما روي عن السدي - وقيل: إلى قتال المسلمين * (أركسوا فيها) * أي قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه، يروى عن ابن عباس أنه كان الرجل يقول له قومه: بماذا آمنت؟ فيقول: آمنت بهذا القرد والعقرب والخنفساء * (فإن لم يعتزلوكم) * بالكف عن التعرض لكم بوجه ما * (ويلقوا إليكم السلم) * أي ولم يلقوا إليكم الصلح والمهادنة * (ويكفوا أيديهم) * أي ولم يكفوا أنفسهم عن قتالكم.
* (فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * أي وجدتموهم وأصبتموهم حيث تمكنتم منهم، وعن بعض المحققين إن هذه الآية مقابلة للآية الأولى، وبينهما تقابل إما بالإيجاب والسلب، وإما بالعدم والملكة لأن إحداهما عدمية والأخرى وجودية وليس بينهما تقابل التضاد ولا تقابل التضايف لأنهما على ما قرروا لا يوجدان إلا بين أمرين وجوديين فقوله سبحانه: * (فإن لم يعتزلوكم) * مقابل لقوله تعالى: * (فإن اعتزلوكم) * (النساء: 90) وقوله جل وعلا: * (ويلقوا) * مقابل لقوله عز شأنه: * (وألقوا) * (النساء: 90) وقوله جل جلاله: * (ويكفوا) * مقابل لقوله عز من قائل: * (فلم يقاتلوكم) * (النساء: 90) والواو لا تقتضي الترتيب، فالمقدم مركب من ثلاثة أجزاء في الآيتين، وهي في الآية الأولى الاعتزال وعدم القتال وإلقاء السلم فبهذه الأجزاء الثلاثة تم الشرط، وجزاؤه عدم التعرض لهم بالأخذ والقتل كما يشير إليه قوله تعالى: * (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) * (النساء: 90) وفي الآية الثانية عدم الاعتزال وعدم إلقاء السلم وعدم الكف عن القتال، فبهذه الأجزاء الثلاثة تم الشرط، وجزاؤه الأخذ والقتل المصرح به بقوله سبحانه: * (فخذوهم واقتلوهم) *. ومن هذا يعلم أن * (ويكفوا) * بمعنى لم يكفوا عطف على المنفي لا على النفي بقرينة سقوط النون الذي هو علامة الجزم، وعطفه على النفي والجزم بأن الشرطية لا يصح لأنه يستلزم التناقض لأن معنى * (فإن لم يعتزلوكم) * إن لم
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»